قال تقرير بنك الكويت الوطني ان الاقتصاد المصري أظهر أفضل مؤشرات على التحسن حتى الآن، مع تسارع وتيرة نموه الذي قد يتخطى 2% لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات، مدعوما باستقرار الأوضاع السياسية وتحسن الثقة. وعلى الرغم من استمرار قطاع السياحة في التراجع، إلا أن بقية القطاعات كالصناعة والبناء والتشييد قد ساهمت في دفع عجلة النمو خلال الأشهر الأخيرة.

وفي الوقت نفسه، استقر الوضع الخارجي لمصر وذلك نتيجة الدعم القادم من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة الى تحسن الآفاق الاقتصادية.

ومن المحتمل أن تشهد الثقة انتعاشا بعد القرار الحكومي الأخير القاضي بتقديم الإصلاحات المالية لتكون لها الأولوية في أجندة الإصلاحات، والتي قد شهدت أكبر تطور لها مع رفع أسعار الوقود في يونيو، حيث تعتبر هذه الخطوة من أولى الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة الجديدة.. وذلك وفقا لجريدة الأنباء الكويتية.

ومن شأن تلك الخطوة أن تقلل من المصروفات الحكومية الضخمة المخصصة لدعم اسعار الوقود وتقليص حجم العجز المالي ودعم الاستقرار الاقتصادي في مصر على المدى البعيد. واستجابة لاحتمال ارتفاع معدل التضخم على المدى القريب، قام البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة الأساسية.

وعلى الرغم من تحسن التوقعات بشأن النمو، إلا أن مصر لاتزال أمام تحديات قد تحول دون تعافي الاقتصاد في حال لم تتم معالجتها، أهمها العجز المالي والارتفاع النسبي في الدين الحكومي، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تحقيق استقرار اقتصادي مستدام. كما ان البطالة لاتزال مرتفعة، ومن غير المحتمل أن تتراجع إلا بعد عام أو اثنين.

ولكن من الواضح أن مصر قد بدأت في تحقيق تطور جيد وملحوظ على المستوى الاقتصادي، وعلى الرغم من التحديات، هناك الكثير من العوامل التي تشير الى استمرار الاقتصاد المصري في التعافي تدريجيا خلال الفترة المقبلة.

انتعاش النشاط الاقتصادي المصري

وقد شهد النمو الاقتصادي تسارعا خلال الأشهر الأخيرة، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا سنويا بلغ 2.5% خلال الربع الأول من العام 2014، مرتفعا من 1.3% خلال الربع الأخير من العام 2013. ويشير المؤشر الصناعي الصادر عن وزارة التخطيط إلى تحقيق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا يتخطى 3% على أساس سنوي خلال الربع الثاني.

كما شهد نمو الائتمان تسارعا خلال النصف الأول من العام 2014 ليبلغ نموه السنوي 7.4% في يونيو. وفيما لم يحافظ مؤشر «ماركت» لمديري المشتريات على مستويات تفوق الـ 50 بشكل متواصل، إلا أنه قد حقق تحسنا عن المستويات المتدنية التي شهدها قبل عام وسجل رقما قياسيا للعام الحالي عند 51.6 في شهر أغسطس.

ونتيجة لتحسن البيانات، فإننا نتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السنة المالية 2014-2015 الى 3.5%، مقارنة مع 2% النمو المقدر في السنة المالية 2013-2014. وبالإضافة الى استمرار قوة أداء قطاعي الصناعة والبناء والتشييد، نتوقع تعافي قطاع السياحة، وذلك بعد التراجع الذي شهده العام الماضي، ومن المتوقع ان تشهد السنة المالية 2015/2016 تسارعا في وتيرة النمو الاقتصادي الى 4.5%، مع استمرار التعافي.

السياحة وانتاج الغاز الطبيعي من أكبر مسببات تراجع الناتج المحلي الإجمالي

وسجل كل من قطاع الصناعة وقطاع التشييد والبناء والقطاع التجاري اسرع وتيرة نمو، حيث شهد قطاع الصناعة، الذي يشكل 16% من الناتج المحلي الإجمالي ويشمل عمليات التكرير، تسارعا في وتيرة نموه الى 6.9% خلال الربع الأول من العام 2014. أما قطاع التشييد والبناء الذي استطاع أن يحافظ على قوته نسبيا، فقد سجل نموا بواقع 12% بالأسعار الثابتة على أساس سنوي، وذلك خلال الربع الأول من العام 2014.

وفيما يخص القطاع التجاري المحلي، الذي يشكل 11% من الاقتصاد، فقد شهد تسارعا في وتيرة النمو ليصل الى 5.2% خلال الربع الأول من العام 2014.

وقد قابل النتائج الايجابية لتلك القطاعات التراجع الملحوظ في قطاع السياحة الذي لايزال يعاني من الأوضاع السياسية والأمنية، فقد تراجع عدد السياح بواقع 23%، بينما تراجع عدد الليالي التي قضاها السائحون بواقع 15% عن العام الماضي. وقد انعكس هذا التراجع في قطاع المطاعم والفنادق الذي تراجع بدوره في الربع الأول من العام 2014 بواقع 28% على أساس سنوي بالأسعار الثابتة.

وقد تراجع انتاج الغاز الطبيعي بشكل كبير ليصبح أيضا أحد مسببات تراجع النمو. وشهد الناتج المحلي الإجمالي لإنتاج الغاز الطبيعي تراجعا بواقع 12% على أساس سنوي، وذلك بعد أن شهد تراجعات خلال ارباع السنة الاخيرة.

وقد جاء التراجع في انتاج الغاز الطبيعي نتيجة العديد من العوامل التي عرقلت سير الاستثمار في هذا القطاع وحالت دون القيام ببعض المشاريع التنموية للتعويض عن تراجع الانتاج في الحقول القديمة. فقد تراجع الانتاج في هذا القطاع بواقع 9% على أساس سنوي في شهر مايو بعد التراجع الذي شهده العام الماضي بواقع 2.4% على أساس سنوي، وذلك وفقا لوزارة التخطيط.

انتعاش التوظيف

لقد شهد معدل التوظيف تحسنا خلال الفترة الأخيرة، إذ استطاع في الربع الأول من العام 2014 أن يتخطى مستويات ما قبل العام 2011 لأول مرة. كما استمرت وتيرة نمو التوظيف في التسارع في الربع الثاني من العام 2014، لتصل الزيادة الإجمالية في الوظائف خلال الاثني عشر شهرا حتى يونيو من العام 2014 الى 328 ألف وظيفة، مقابل زيادة بواقع 93 ألف وظيفة فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وعلى الرغم من التراجع الطفيف في الربع الثاني من العام 2014، إلا أن معدل البطالة لايزال مرتفعا عند 13.3%، ليكون بذلك أحد اهم التحديات التي تواجه السلطات.

الائتمان يستعيد قوته

وقد شهد الائتمان أيضا انتعاشا في وتيرة نموه، حيث سجل تسارعا خلال النصف الأول من العام 2014 ليصل الى 16% (معدل لفترة اثني عشر شهرا)، وذلك بعد التراجع الذي شهده بواقع 0.8% (معدل لفترة اثني عشر شهرا) في النصف الثاني من العام 2013. أما النمو السنوي للائتمان، فقد جاء أكثر اعتدالا عند 7.4%، إلا أنه قد بدأ يشهد تسارعا في وتيرته. ونتوقع أن يستمر نمو الائتمان في التسارع خلال الأشهر القادمة ليوفر دعما أكبر لوتيرة تعافي النمو الاقتصادي.

خفض الدعم

تعد الزيادة المستمرة في العجز المالي من أبرز التحديات التي يجب على الحكومة مواجهتها. وقد استقر العجز عند 11% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية شهر مايو من العام 2014، متراجعا عن مستواه المرتفع البالغ 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي. ويعزى هذا التراجع بشكل كبير الى المنح التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، إذ في حال استثنائها، لاستقر العجز في مايو عند 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد قامت الحكومة باتخاذ خطوة بارزة في يونيو الماضي عندما قررت رفع أسعار الوقود في محاولة منها لخفض كلفة المعونات. فقد ارتفعت أسعار بعض انواع الوقود بواقع 64% إلى 78%. كما أعلنت الحكومة أيضا عن خطتها لرفع أسعار الكهرباء بشكل تدريجي خلال الاعوام الخمسة القادمة.

ومن المتوقع أن تساهم هذه الارتفاعات في مساعدة الحكومة على مواجهة العجز الذي جاء بواقع 44 مليار جنيه في السنة المالية 2014/2015. حيث تشير البيانات الأخيرة للسنة المالية 2013-2014 إلى بلوغ إجمالي الدعم الحكومي 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي، واذا استطاعت الحكومة ان تحقق أهدافها، فإن خطوتها بشأن رفع الأسعار من شأنها أن تخفض من العجز بواقع نقطتين مئويتين ليصل الى ما يقارب 5%.

كما أن الحكومة في صدد القيام بإصلاحات مالية إضافية خلال الأشهر القادمة، والتي من ضمنها الضريبة على القيمة المضافة خلال الربع الأول من العام 2015.

تراجع العوائد على السندات السيادية تماشيا مع تراجع المخاطر

قد تساهم الإصلاحات الأخيرة في الحفاظ على المستويات المنخفضة للعوائد على السندات السيادية ومخاطر التخلف عن السداد. فقد كان لكل من التحسن في الآفاق الاقتصادية واستقرار المشهد السياسي دور في تراجع عوائد الديون السيادية بالدولار الأميركي.

وقد تراجعت عوائد السندات المصرية بالدولار التي تستحق في 2020 و2040 الى أقل مستوى لها منذ العام 2010 لتصل الى 5% و7.2% على التوالي. كما تراجع أيضا سعر مبادلة مخاطر الائتمان ليصل الى أقل مستوى له منذ ثلاث سنوات.

كما تراجعت أسعار الفائدة المحلية العام الماضي عندما تم خفض أسعار الفائدة الأساسية، الامر الذي ساهم في ترشيد خدمة الدين العام. وقام البنك المركزي المصري برفع الأسعار في يوليو للحد من ارتفاع معدل التضخم بعد أن تم رفع أسعار الوقود مؤخرا. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الفائدة على الديون الحكومية بالعملة المصرية خلال الأسابيع الأخيرة.

دول الخليج تدعم.. والجنيه يستقر

ذكر تقرير «الوطني» ان التراجع في عجز الحساب الجاري يعتبر من التطورات الإيجابية التي شهدها الاقتصاد المصري خلال الثمانية عشر شهرا الماضية.

حيث بلغ العجز أعلى مستوى له عند 3.9% في العام 2012 لينكمش بعدها الى 0.7% بحلول نهاية الربع الأول من العام 2014 (على أساس 12 شهرا) وبينما ساهم وضع بعض الضوابط الاستثمارية بالإضافة الى تراجع سعر صرف الجنيه في التقليل من العجز، إلا أن معظم التراجع قد جاء تحت بند المدفوعات التحويلية الرسمية بواقع أكثر من 10 مليارات دولار، والتي جاء معظمها من دول مجلس التعاون الخليجي، كما ساهمت الواردات غير النفطية أيضا في التقليل من العجز، وبينما شهدت تحويلات القطاع الخاص تحسنا في العام 2012، إلا أنها قد بدأت بالاستقرار منذ ذلك العام.

كما تحسن أيضا الحساب الرأسمالي والمالي لمصر بشكل ملحوظ من مستواه المنخفض الذي شهده في العام 2011. وتحسن الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل أسرع ليصل الى 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الاثني عشر شهرا حتى مارس من العام 2014، إلا أنه لايزال أقل من أعلى مستوى تم تسجيله في العام 2008 عندما تجاوز مستوى 8% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما شهد أيضا صافي تدفقات استثمار المحافظ تعافيا ليصل الى 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي في مارس، إلا أن تلك التدفقات لم تستطع استرجاع مستوياتها المسجلة قبيل العام 2011.

في الوقت نفسه، شهدت احتياطات البنك المركزي استقرارا نتيجة عوامل عدة كالدعم المالي الرسمي والضوابط الاستثمارية وانخفاض قيمة الجنيه المصري. حيث استقرت الاحتياطات عند 16.7 مليار دولار في يوليو أو ما يساوي 3.6 أشهر من الواردات.

وعلى الرغم من استقرار مستوى الاحتياطات، إلا أنه لايزال أقل من مستواه الذي تم تسجيله في العام 2011. ومن المفترض أن ترتفع الاحتياطات الى مستويات جيدة تماشيا مع التعافي الذي يشهده الاقتصاد بالإضافة الى استعادة الاستثمار الأجنبي نشاطه خلال العام القادم تقريبا.

وقد ساهم تراجع الضغوطات الخارجية في استقرار الجنيه المصري خلال الأشهر الأخيرة، ويرجع ذلك بشكل كبير الى سياسة البنك المركزي الحذرة. فقد تم السماح للعملة بالتراجع في فترة الضغوطات لتفادي حدوث أزمة مالية، وللتحكم أيضا في عجز الحساب الجاري، بالإضافة الى الحد من السوق غير الرسمي للجنيه، حيث يقف الجنيه المصري مقابل الدولار الاميركي حاليا عند ما يقارب 7.15%. أما علاوة السوق السوداء فلا تزال محدودة عندما يقارب 3.5%، أي أقل من حجمها في نهاية العام 2013 بواقع النصف.