أثارت أخبار إفلاس وخسائر عدد كبير من السعوديين نتيجة انهيارات سوق الأسهم المتواصلة، استهجان الكثيرين واستيائهم، وعبّرت عن آمالهم في نهاية "إصلاحية" لهذه الأسواق التي يأكل فيها المؤشر الأحمر، الأخضر واليابس، كان آخرها خبر نشرته صحيفة (الحياة) اللندنية الصادرة صباح الأحد 6 يناير 2007، عن مديرة فرع نسائي لأحد البنوك السعودية، خسرت وظيفتها وأموالها بسبب الأسهم، قبل أن تتحول إلى "متسولة" تجوب الشوارع بحثاً عن لقمة عيشها يضن بها عليها المارة وسائقي السيارات.
في السعودية، تلحظ باستمرار الشكاوى التي يعلنها كثير من أصحاب المؤسسات التجارية، على اختلاف أنواعها، حول إفلاسهم أو خسائرهم التي لا تقدر بثمن بسبب انهيار سوق الأسهم المتواصل، وتباطؤ عجلة الإصلاحات، وسط مخاوف من تناقص الإنفاق التجاري بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، وهو ما يؤثر بدوره على الشركات التي قد تؤدي خسائرها إلى تناقص أسعار أسهمها، وتصعيد خسائر المستثمرين فيها. فتكون العملية الاقتصادية برمتها قد دخلت في دائرة من الانحدار نحو الهاوية.
يعترف الجميع أن مستثمري أسواق الأسهم في السعودية هم حديثي عهد بها، وليس لهم خبرات سابقة في عمليات البيع والشراء، ومتى يمكن أن تصبح الأسعار مناسبة للبيع، وكيف يحافظ المستثمر على قيمة أسهم مع انخفاض أسعار الأسهم.. فالغالبية العظمى منهم دخلوا هذا السوق من باب المغامرة أولاً، ومن باب البحث عن الريح السريع ثانياً، محاولين استدراك ما فاتهم من أرباح جناها مستثمرون أوليون في سوق الأسهم خلال الفترة الأولى من طرحها في السوق.
وربما لم تكن البنية التحتية لهذا السوق مهيئة لمثل هذا الانهيار الواسع والمستمر، كما لم تكن الحكومة قد اتخذت برامج مسبقة للتعامل مع مثل هذه الأحداث التي كان الكثيرين يتوقعون لها الانهيار.. لسبب بسيط جداً، هو أن الناس كانت تبيع وتشتري أسهماً بأثمان "وهمية" لم تكن حقيقية أبداً، وكان المتتبع لمؤشرات سوق الأسهم في السعودية يلاحظ الفرق واسعاً عندما يشاهد بورصات عالمية وإقليمية تتحرك بذبذبة لا تتجاوز الـ 0.5% في حين كانت أسهم الأسواق السعودية تتجاوز معدلات ارتفاعها الـ 5% أحياناً.
ولعلاقة سوق الأسهم بالكثير من المعطيات الاقتصادية في البيئة المحلية _وأحياناً العالمية إن كانت شديدة الوطأة_ فإن أسواقاً عالمية عديدة سبق لها أن دخلت في أزمات اقتصادية شبيهة تقريباً بما حدث ويحدث في السعودية، ورغم اختلاف أسباب الأزمات، إلا أن معظم الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة، قامت باتخاذ خطوات "إصلاحية" للسيطرة على سوق الأسهم، ومنع حدوث تقلبات تؤدي إلى خسائر فادحة.
الإصلاحات الأمريكية جاءت في أعقاب انهيار سوق الأسهم الشهير عام 1987، فضلاً عن الانهيار الأشهر الذي أدخل البلاد في كساد اقتصادي كبير عام 1929، أثرت على معظم مناحي الحياة، هناك، وعلى مدى عدة سنوات، حاول المشرعون الأمريكيون إنجاز قوانين تنقذ الاقتصاد أولاً من ركوده، وتعيد _ثانياً_ الثقة لسوق الأسهم من خلال قوانين تحد من تقلباته وتأثره الشديد بالأحداث الداخلية.
لمحة عن سوق الأسهم الأمريكية:
تعتبر أسواق الأسهم في الولايات المتحدة من أهم المناحي الاقتصادية ضمن عجلة الاقتصاد الأمريكية، والتي تعتبر معياراً شديد الحساسية للحالة الأمنية والسياسية والعسكرية، والاقتصادية بطبيعة الحال.
وتتأثر بشكل مباشر بالركود الاقتصادي، أو التضخم، أو البطالة، أو بزيادة أو شح الإنفاق الاستهلاكي والمدخرات الشخصية، كما ترتبط بشكل مباشر بالسياسية الأمريكية الداخلية والخارجية.
وتعتبر أسواق الأسهم جزءً أساسياً من أسواق الرساميل في الولايات المتحدة، هذا السوق الذي يعتبر مصدر حياة النظام الرأسمالي، إذ تلجأ الشركات إلى هذه الأسواق لتأمين الأموال اللازمة لبناء المصانع، ومباني المكاتب، والطائرات، والقطارات، والبواخر، وخطوط الهاتف وغيرها من المنشآت؛ وكذلك لتمويل أنشطة الأبحاث والتطوير، ولمساندة عدد كبير من الأنشطة الأخرى الضرورية لها. حيث أن مصدر الكثير من هذه الأموال هو مؤسسات كبرى مثل صناديق التقاعد، وشركات التأمين، والمصارف، والمؤسسات الخيرية، والكليات، والجامعات. كما أن مساهمة الأفراد فيها تزداد باستمرار، حيث تبلغ نسبة الأسر الأمريكية التي تملك منذ منتصف التسعينات أسهماً عادية في الشركات؛ أكثر من 40 بالمئة.
وقلّما يُقبِل المستثمرون على شراء أسهم في شركة ما إن لم يتأكدوا من إمكانية بيعها لاحقاً إذا احتاجوا إلى المال لشأن آخر، وتسمح أسواق الأسهم وأسواق الرساميل الأخرى للمستثمرين بشراء وبيع الأسهم باستمرار.
يقول جورج كلارك (مؤلف كتاب موجز الاقتصاد الأمريكي): إن الأسواق تحتاج إلى استمرار التدفق الحر للمعلومات من أجل أن تعمل بفعالية، إذ لا يمكن للمستثمرين أن يتابعوا التطورات المتعلقة بأسهمهم، أو أن يقدّروا قيمتها الحقيقية بأفضل ما هو متوفر لهم من قدرات، لكن هناك مصادر عديدة تمكّن المستثمرين من متابعة وضع السوق يومياً، وساعة بساعة، وحتى دقيقة بدقيقة.
ولأجل ذلك، يفرض القانون الأمريكي، على الشركات إصدار تقارير عن أرباحها كل ثلاثة أشهر، وتقارير سنوية أكثر تفصيلاً، بالإضافة إلى بيانات لإعلام المساهمين عن وضعيتها علاوة على ذلك فإن المستثمرين يمكنهم الاطلاع من الصفحات الاقتصادية للصحف على الأسهم المعيّنة التي تم تداولها في الجلسة السابقة للسوق، كما يمكنهم مراجعة المؤشرات المختلفة التي تُظهر الوتيرة الإجمالية لنشاط السوق، وأشهرها مؤشر داو جونز للأسهم الصناعية الذي يتتبع أسعار 30 سهماً بارزاً، وكذلك يمكن للمستثمرين الاطلاع على المجلات والنشرات المتخصصة بتحليل أسهم أو أسواق معينة كما أن بعض البرامج التلفزيونية توفر سيلاً مستمراً من الأخبار المتعلقة بتحركات أسعار الأسهم، ويستطيع المستثمرون أيضاً استعمال شبكة الإنترنت للحصول على آخر المعلومات عن أسهم معينة، والقيام بشراء وبيع الأسهم.
تاريخ أسواق الأسهم الأمريكية:
هناك الآلاف من الأسهم في الولايات المتحدة، لكن أسهم أكبر وأشهر الشركات وأكثرها تداولاً تسجل عادة في سوق أسهم نيويورك (nyse). ويعود تاريخ هذه السوق إلى عام 1792، عندما اجتمع عدد من وسطاء الأوراق المالية في "وال ستريت" في مدينة نيويورك للاتفاق على قواعد تحكم عمليات شراء وبيع الأسهم، وفي أواخر التسعينات أصبحت سوق نيويورك تتضمن أسهم حوالي 3600 شركة مختلفة، كما يشتمل على 1366 عضواً أو "مقعداً"، وهذه الأخيرة تشتريها بيوتات الوساطة المالية بأسعار باهظة وتستخدم لشراء وبيع الأسهم للجمهور. تُنقل المعلومات إلكترونياً بين مكاتب الوساطة وسوق الأسهم، وهو ما يستلزم 200 ميل (320 كيلو متراً) من كابلات الألياف البصرية و8000 خط هاتفي لمناولة الأسعار وطلبات بيع أو شراء الأسهم.
تعمل سوق الأسهم الأمريكية (ase) الأصغر حجماً، والتي تضم عدداً كبيراً من أسهم صناعات الطاقة، بالطريقة ذاتها، كما أنها تقع في منطقة "وول ستريت" ذاتها التي توجد فيها سوق أسهم نيويورك، وهناك العديد من أسواق الأسهم المحلية الأصغر حجماً قائم في مدن أمريكية كبيرة أخرى.
أما أكبر عدد من الأسهم والسندات فيتم التداول به عبر "ناسداك" أو نظام التسعير الآلي للاتحاد القومي لوسطاء الأوراق المالية، وهذه السوق المسماة مجازاً "الأقل رسمية أو تنظيمية" أو سوق الأسهم غير المسجلة في أسواق الأسهم، والتي يجري تداول حوالي 5240 سهماً فيها، لا تقع فعلياً في مكان محدد بل إنها شبكة إلكترونية تربط وسطاء الأسهم أو السندات يقوم الاتحاد القومي لوسطاء الأوراق المالية بالإشراف على سوق "ناسداك"، ويحق له فصل شركات أو وسطاء ممن يعتبرهم غير شرفاء أو متعسرين مالياً، ويعتبر الاستثمار في سوق "ناسداك" أكثر مخاطرة من الاستثمار في أي من السوقين الأخريين، لأن الشركات المسجلة فيها هي أصغر وأقل استقراراً لكنها توفر فرصاً كثيرة للمستثمرين، حيث إنها أصحبت تتضمن في التسعينات أسهم شركات التقنيات العالية الأكثر نمواً.
أثناء التسعينات أدى الرواج غير المسبوق في سوق الأسهم، والذي ترافق مع سهولة الاستثمار فيها إلى ازدياد حاد في مشاركة الجمهور في أسواق الأوراق المالية، فقد ارتفع حجم التداول في سوق نيويورك أو ما يسمى "لوحة الأسعار الكبرى" من 11.400 مليون سهم في 1980 إلى 196.000 مليون سهم في عام 1998، وارتفعت بين 1989 و 1995 نسبة الأُسر الأمريكية التي تملك أسهماً، إما مباشرة أو من خلال وسطاء مثل صناديق التقاعد، من 31 إلى 41 بالمئة.
وقد ازدادت أعداد صناديق الاستثمار الإجمالية من 524 عام 1980 إلى 7300 أواخر 1998.
واستثمر الأمريكيون مقادير وافرة من الأموال في صناديق الاستثمار حيث اجتذبتهم مجالات واسعة من الخيارات المتوفرة فيها، ففي أواخر التسعينات تملكوا 5.4 تريليون دولار في صناديق الاستثمار المشتركة.
استراتيجيات السوق:
خلال القسم الأكبر من القرن العشرين استطاع المستثمرون أن يكسبوا من استثماراتهم بالأسهم أكثر مما كسبوا من أي نوع من أنواع الاستثمارات المالية الأخرى – شرط استعدادهم للاحتفاظ بالأسهم في الأمد الطويل، على حد تأكيد الأخصائيين الاقتصاديين والبيانات الإحصائية الاقتصادية بأمريكا.
ففي الأمد القصير من الممكن لأسعار الأسهم أن تكون شديدة التقلب، ومن السهل للمستثمرين غير الصبورين الذين يبيعون أسهمهم في فترات هبوط السوق أن يتكبدوا الخسائر، على سبل المثال، فقد أشار بيتر لينش، المدير الأسبق الشهير لأحد أكبر صناديق الاستثمار المشتركة بالأسهم، إلى أن القيمة الإجمالية للأسهم انخفضت في 20 من أصل 72 سنة سابقة. ويقول لينش: " أنه كان على المستثمرين الانتظار 15 سنة بعد انهيار سوق الأسهم عام 1929 لاستعادة قيمة أسهمهم، لكن أولئك الذين احتفظوا بها لفترة 20 سنة، أو أكثر، لم يخسروا مطلقاً".
وتقول دراسة تحليلية قام بإعدادها للكونغرس الأمريكي ديوان المحاسبة العام للحكومة: "إنه خلال أسوأ فترة 20 سنة منذ عام 1926 ارتفعت أسعار الأسهم 3 بالمئة، بينما ارتفعت 17 بالمئة خلال أفضل عقدين. وبالمقابل، فإن مردود السندات التي تستحق خلال 20 سنة، وهي بديل شائع للاستثمار بالأسهم، قد تراوح بين 1 و10 بالمئة".
ويستنتج الاقتصاديون من تحليلات مماثلة أنه من الأفضل لصغار المستثمرين أن يوظفوا أموالهم في محفظة استثمارية متنوعة الأسهم، وأن يحتفظوا بها للأمد الطويل لكن بعض المستثمرين يكونون مستعدين للمخاطرة على أمل تحقيق أرباح أكبر في الأمد القصير، وقد ابتكروا وسائل استراتيجية متعددة للقيام بذلك.
الهيئات التنظيمية الأمريكية وتعاملها مع السوق:
وسط الانهيارات المتكررة، والخسائر الفادحة التي مني بها الملايين هناك، قررت الحكومة الأمريكية التدخل بصورة تشريعية، للحد من التأثر السريع لأسواق الأسهم، والحد من انهيارات مماثلة قد تؤدي لتفاقم في الأزمة الاقتصادية، وهو ما أوجد فيما بعد وكالات فيدرالية مهمتها الأساسية مراقبة الأسواق، وتحديد كميات الأسهم المباعة أحياناً، أو تحديد نسبة التذبذب المالي لها، والترخيص أو إلغاء رخص المبادلات، وغيرها.