حقيقة المرّة
يرى البعض في الإتحاد الأوروبي «عملاقًا إقتصاديًا، ولكنه قزم سياسي»، فهو لم يستطع أن يعترض على سياسات الولايات المتحدة في أي مكان في العالم إلا بخجل وتواضع، حتى أن بعض المحللين يرى فيه تابعًا بقدر ما للهيمنة الأميركية، وبخاصة أن معظم دوله أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة، وأن الخلاف بينهما هو على حدود المصالح والحصص في أي مشكلة في العالم.
بل أكثر من ذلك فهـذا الخلاف ليس إلا مجرّد تـوزيع أدوار لتـأمين استمرار ازدهار الإقتصادات الغربية، وتدفق الطاقة وتأمين الأسواق التجارية الضرورية لبيع منتجات العالم الصناعي المتطور وبخاصة الى الدول النامية والمتخلفة. ولذلك يجد الإتحاد الأوروبي نفسه اليوم حائرًا ما بين «الأورَبَة السلمية»، و«الأطلسَة العسكرية»، وبخاصة بعد زوال الخطر الشيوعي وحلف وارسو. ففي حين يقضي مفهوم الأوربة السلمية بتخفيض النفقات العسكرية لمصلحة الحلف الأطلسي وزيادة النفقات الإجتماعية، تعارض الولايات المتحدة الأميركية قائدة الحلف هذا التوجه.
وعلى الرغم من هذا فلا بد من الإعتراف بالحقيقة الجيوبوليتكية العالمية المرّة وبوجود عالمين: شمال غني وجنوب فقير، عالم مستغِلّ وعالم مستغَََلّ (بفتح الغين)، عالم متطور وعالم متخلف، وما هذه الإتحادات والأحلاف إلا ليزداد القوي قوة والضعيف ضعفًا، وإن زُيَِّّنت بشعارات نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، أو بالتدخل الإنساني لحماية الشعوب هنا وهناك.