PDA

View Full Version : الوضع الاقتصادي في مصر (تقرير)



gehad87
01-29-2015, 11:53
على مدار عقدين من الزمن انتظر المصريون ثمار ما سمي بالإصلاح الاقتصادي، ولكنهم وجدوا في النهاية ارتفاعا في معدل البطالة وصل لنحو 15 في المئة، كذلك ارتفاعا في معدل التضخم اقترب من 18 في المئة.
والأمّر من ذلك خط الفقر الذي انضوى تحته نحو 25 في المئة من سكان مصر. أما الفساد الذي ساد كل أرجاء الجهاز الإداري للدولة، فحدث ولا حرج.
فقد وصل عدد قضايا الفساد بهذا الجهاز سنويا لنحو 70 ألف قضية. وتقدر خسائر مصر بسبب الفساد بحوالي6 مليارات دولار سنويا. بينما قدر البعض حجم اقتصاديات الفساد في مصر بنحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يخفى على أحد أن الفساد هو أحد أبرز أسباب الثورة.
ولا يغيب عن أحد ممارسات رجال الأعمال في تسقيع الأراضي والمضاربة عليها مما بدد ثروات كبيرة. وبعد أن حصل رجال الأعمال على جميع المزايا من ضرائب وجمارك وأسعار شديدة الانخفاض لأراضي ومرافق الدولة، اتجهوا للتجارة وأهملوا الصناعة، مما جعل من مصر مجرد سوق للمنتجات الأجنبية وعلى رأسها السلع الصينية.
وانعكس هذا كله عبر مؤشرات اقتصادية مضللة تم العبث بها لإيهام المواطنين بأن هناك ثمة إصلاحات اقتصادية.

الملامح العامة للاقتصاد المصري
يعاني الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة من حزمة من المشكلات المزمنة، أبرزها ما يلي:
1- عجز الموازنة العامة الذي يقدر بـ 9 في المئة، والدين العام الذي وصل إلى أكثر من 900 مليار جنيه مصري في شقه المحلي، ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي.
2- تأتي البطالة لتمثل واحدة من معضلات الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10 في المئة و15 في المئة، ويرجع الجزء الأكبر منها لنظم التعليم التي لا تربطها بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب سنويا بما بين 700 ألف و750 ألف وظيفة سنويا.
3- توصف الموازنة المصرية بأنها موازنة استهلاكية تصرف معظم بنودها على النفقات الجارية، وتقل فيها الاستثمارات العامة، بسبب التوجه الحكومي بعدم الدخول في استثمارات عامة جديدة، باستثناء بعض المخصصات للمرافق العامة.
4- تمثل الإيرادات الضريبية عدم عدالة السياسة الضريبية المتبعة خلال الفترة الماضية، حيث يدفع الموظفون نحو 9.5 مليارات دولار، والنشاط التجاري والصناعي قرابة 4.5 مليارات.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2009/2010 نحو 1.2 الف مليار جنيه، ووصل معدل النمو الاقتصادي لنفس العام 5.1 في المئة.

ضربة الاقتصاد
لا يستطيع اي متابع للاحداث السياسية التي تمر بها مصر فى الايام الاخيرة إلا ويدرك حجم الاثار والتداعيات الاقتصادية على مصر والمنطقة العربية والشرق الاوسط بل لا ابالغ لو قلت على العالم بأسره. فموقع مصر وثقلها الاقتصادي والسياسي جعلها مؤثرة بدرجة ما في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي.
ففي الايام الاولى من الحركة الاحتجاجية، هوى مؤشر البورصة المصرية بنسبة 7 في المئة خلال أربعة أيام، وهبط الجنيه المصري ليسجل أقل مستوى في ستة أعوام. ما أضطر السلطات المصرية إلى اغلاق البورصة –وهي من أكبر البورصات في المنطقة- كما تم تعليق نشاط المصارف خوفا من أعمال النهب التي حدثت عقب موجة المظاهرات الأولى.
وقال محافظ البنك المركزي المصري إن نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر الذي كان من المتوقع أن يصل إلى6 في المئة هذا العام سيتضرر بسب الأزمة السياسية، وإن تدفق الأموال إلى الخارج قد يصل إلى 8 مليارات دولار، ولكن البلاد قد تعالج ذلك لأنها تعاملت مع تدفقات أكبر الى الخارج في الماضي، مثلما حدث عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.
وقدر خبراء اقتصاديون حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها مصر خلال فترة الاحتجاجات ما بين 55 و 100 مليار جنيه (9,24 مليارات- 16,8 مليار دولار).
كما توقعوا انخفاض عائدات قناة السويس خلال الفترة المقبلة خصوصاً مع تراجع أعداد الرحلات العابرة.
أما الخسائر الناجمة عن أعمال العنف والشغب والتخريب، فقدرت بنحو 100 مليار جنيه في أسبوع واحد.
وافاد مراقبون أن تلك الخسائر قد تتضاعف، خصوصاً مع توقف العديد من القطاعات الحيوية ،السياحية منها والخدمات والمالية، مؤكدين أن التحدى الأكبر حالياً هو استعادة الثقة في الاقتصاد المصري من جديد ومع احتمال خروج بعض الاستثمارات الاجنبية من السوق.

خسائر بالجملة
قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الخسائر بلغت نحو 90 مليون دولار في قطاع الانترنت خلال الأيام الخمسة التي تم فيها قطع خدمات الإنترنت في مصر، وتوقعت أن يكون هناك أثر أكبر على الاقتصاد المصري على المدى الطويل. مشيرة في بيان لها إلى أن الخدمات المعطلة للاتصالات والإنترنت تمثل 3 في المئة إلى 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يمثل خسارة تقارب 18 مليون دولار يومياً.
وكشف تقرير اقتصادي أن حصيلة خسائر قطاعات النقل المصرية ارتفعت إلى 15 مليون جنيه يومياً، وان الخسائر اليومية لمترو الأنفاق تبلغ مليون جنيه، أما خسائر السكك الحديدية المصرية فتبلغ 4 ملايين جنيه يوميا، فيما تبلغ خسائر الموانئ المصرية 10 ملايين جنيه يوميا.
أما القطاع السياحي فشهد خروج عدد كبير من السياح بلغ نحو مليون سائح، إلى جانب إلغاء الرحلات وانخفاض اشغالات الفنادق والقرى السياحية. وهو ما دفع القطاع لفقدان مايزيد على 1,5 مليار جنيه. كما أن قطاع الطيران المدني مني ايضا بالخسائر بعد الغاء العديد من الرحلات بسبب حظر التجوال المفروض. أما المشهد السياحي فحزين، حيث ترى اهرامات الجيزة خالية من روادها، وعشرات الخيول تصطف إلى جوار أحد الجدران تأكل التبن بهدوء واسترخاء، والجمال الصغيرة تتمرغ في التراب دون اكتراث بما يحيط بها.
اما المتاجر والمقاهي فقليلة العدد التي مازالت مفتوحة، يطارد عمالها الذباب بعد أن اختفى الزبائن في محاولة من جانبهم لقتل الوقت.

تأثيرات عالمية
وقد امتد تأثير الوضع في مصر إلى بورصات المنطقة التي سجلت في الأيام القليلة الماضية هبوطا كبيرا، وبدرجة أقل في البورصات الأوروبية والآسيوية والأميركية. ففي الساعات الأولى من التداول بالبورصة الأميركية انخفضت المؤشرات الثلاثة انخفاضا طفيفا، وعزا محللون أسبابه إلى ما يجري في مصر.
وقد هون دومينيك ستراوس مدير صندوق النقد الدولي من أثر الأحداث الجارية بمصر، قائلا إنه لن يكون لها تأثير بعيد المدى على الاقتصاد العالمي. مشيرا إلى أن مصر ليست من الدول النفطية الكبيرة ،وان كان فى سياق كلامه لم ينف الاثر السلبى على المدى القصير.
ناهيك عن الجانب الاهم وهو استثمارات دول المنطقة فى مصر، والاثار المباشرة السلبية لهذه الاستثمارات. وتحديداً الاستثمارات السعودية والكويتية والاماراتية. فلهذه الدول العديد من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، مثل بعض الشركات كصافولا واعمار والخرافى وغيرها الكثير، مما سيؤدى الى وضوح الاثر فى الاجلين القصير والطويل … وقد اتضح جزء من هذه الاثار فى هبوط معظم اسعار اسهم هذه الشركات بمجرد بداية الاحداث فى مصر وتأثيرها على اسعار الشركات المدرجة بأسواق الاسهم فى هذه الدول وغيرها …

الرؤية الإصلاحية
مع نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني، تتطلع مصر إلى أداء اقتصادي مختلف، يجعل منها دولة قوية اقتصاديا. واقع يحقق آمال الشباب، الذي لا ينحصر فقط في تلبية مطالبهم في الحصول على العمل والخروج من دائرة الفقر، ولكن واقعًا جديدًا يجعل للأداء الاقتصادي لمصر وجها جديدا، يكرس مبدأ تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة ويكبح الفساد، ويصنع إرادة سياسية واقتصادية، تستغني بها مصر عن المعونات ولا تخضع للتبعية أو وجود شبهة تأثير على قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولكي تتحقق هذه الأهداف لا بد من مجموعة من المحاور التي تصلح لبلورة رؤية إصلاحية ينطلق منها الاقتصاد المصري، وهي:
- سيادة دولة القانون
لقد نُحي القانون جانبا في حياة المصريين خلال العقود الماضية، ووجدت الآلاف من الأحكام القضائية التي لا يستطيع أصحابها تنفيذها للحصول على حقوقهم، مما أوجد نوعا من فقدان الثقة في النشاط الاقتصادي ومجتمع الأعمال.
- المؤسسات المالية
تضم المؤسسات المالية في مصر الجهاز المصرفي، وسوق الأوراق المالية، وشركات التأمين... إلخ، وينبغي أن يعاد النظر في دور كافة هذه المؤسسات في ضوء إستراتيجية تنموية جديدة.
فالجهاز المصرفي الذي يضم ودائع تبلغ أكثر من 900 مليار جنيه، ويبحث عن مصادر لتوظيف نحو 48 في المئة منها ولا يجد، عليه أن يتجه لتمويل مشروعات إنتاجية مدروسة بشكل صحيح، وأن يقلل من سياسته الحالية المعتمدة على التجزئة المصرفية. وكذلك الابتعاد عن الائتمان السياسي واسترداد قروض رجال الأعمال الذين حرصوا على عدم السداد، أو السداد من خلال تدوير القروض، وتهريب أموالهم للخارج.
كما يتطلب الأمر عملية تمويل حقيقية للمشروعات المتوسطة والصغيرة. وفيما يخص سوق الأوراق المالية، التي يبلغ رأسمالها السوقي في آخر أيام التداول قبل إيقافها نحو 445 مليار جنيه مصري، فهناك مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تعمل على تحويل البورصة المصرية إلى بورصة للاستثمار وليس للمضاربة، فيكبر فيها سوق الإصدار ويتضاءل سوق التداول، ويتم التوجه نحو الشفافية في التعاملات لجميع المتعاملين على حد سواء، وأن تلغي بعض التعاملات مثل البيع في نفس الساعة أو اليوم، وكذلك إلغاء بيوع المشتقات وأن تكون هناك ضرائب تصاعدية على أرباح المتعاملين بالبورصة وإن كانت بمعدلات صغيرة.

ختاماً لا شك إن أي تحول ديمقراطي في مصر يساهم في الإسراع في تعويض التداعيات الاقتصادية السلبية لهذه الانتفاضة فيعزز أداء الاقتصاد الكلي للدولة ويجذب الاستثمارات.
أما الأهم فيتمثل في إمكانية أن يؤدي إرساء دعائم فجر ديمقراطي جديد في مصر إلى تأسيس منظومة اقتصادية اجتماعية أكثر عدلاً على الأرجح بدلا من المنظومة الراهنة التي كرست وفق كثيرين أوضاعا شبيهة بما كانت عليه البلاد أيام عهد إقطاع ما قبل ثورة يوليو عندما كان يستحوذ نصف الواحد في المئة من السكان على حوالي 50 في المئة من ثروات البلاد.
كما نأمل أن تنخفض مستويات البطالة فيه كما الفساد، وطبعاً الفقرالذي يعتبر العامل الأقوى وراء تفجر هذه الثورة ، فأكثر من 50 في المئة من المصريين يعيشون بدولار او دولارين في اليوم، وهذا يعني نصف الشعب المصري ليس لديه القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية الممثلة في المأكل والمشرب والمسكن.
في الحقيقة لا توجد عصا سحرية في الاقتصاد تجعل المواطن يشعر بسرعة بمكتسبات هذه الثورة, ولكن على المدى البعيد يمكن أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة، ويمكن ان يتحقق ذلك خلال السنوات الخمس القادمة