PDA

View Full Version : صور التلاعب في الأسواق المالية التي يجرم عليها النظام وحكمها الشرعي



704460
06-18-2015, 15:18
صور التلاعب في الأسواق المالية التي يجرم عليها النظام وحكمها الشرعي
لقد ارتأت بعض اللوائح المنظمة لسوق الأوراق المالية عدم ذكر صور بعينها، وإنما اكتفت بذكر الضوابط التي تجعل من المعاملة نوعاً من أنواع التلاعب، بينما ذكرت بعض الجهات والمؤسسات ـ منها اللجنة الفنية للمنظمات الدولية لهيئات الأوراق المالية في تقريرها حول التحقيق ومقاضاة التلاعب في الأسواق ـ صور التلاعب التي يجرم عليها القانون، وفي الآتي ملخص لهذه الصور:
1- البيع الصوري Sale Wash
ويقصد به خلق تعامل مظهري نشط على سهم ما، في الوقت الذي قد لا يوجد فيه تعامل فعلي يذكر على ذلك السهم. كأن يمتلك شخص ما عدداً معيناً من الأسهم فيبيعها بيعاً صورياً لأحد أقاربه أو أصدقائه، ثم يعاود شراءها في مدة زمنية قصيرة قد تكون في نفس اليوم لإيهام المتعاملين بأن تغيرات سعرية حدثت لسعر تلك الورقة وأن تعاملاً نشطاً يجري عليها.
2- توافق الطلبات Matched Orders
وتتم هذه الصورة عبر إدخال أوامر بيع وشراء متطابقة في نفس الوقت على ورقة مالية معينة. ولإنجاح هذه الخطة يتم إعطاء أوامر البيع والشراء إلى العديد من السماسرة بحيث لا يعرف أحدهم الآخر، وهذا بغية خلق انطباع بأن هناك اهتماماً كبيراً ومتجدداً على تلك الورقة، وعادة ما يوعز المتلاعبون إلى بعض الصحف ووسائل الإعلام المالية بنشره مما يعمل على ترويجها، وبعد ذلك يقتصرون على الشراء دون البيع، وحينئذ تتجه الأسعار إلى الصعود فيبادر الجمهور إلى الشراء وتواصل الأسعار سيرتها الصعودية إلى أن تصل إلى المستوى الذي يرضي مطامع المتلاعبين فيصفون مراكزهم الصعودية بالبيع. ولا تلبث الأسعار أن تتدهور بعد زوال العوامل المفتعلة التي رفعتها، وقد يغتنمون فرصة هذا التدهور فينقلبون إلى الإتجاه النزولي بعد أن كانوا يضاربون على الصعود. وقد تكون المسألة اتفاقية بين مجموعة من المتعاملين - تكون في الغالب مكتوبة - على إعطاء سلطة لمدير يتولى المتاجرة في سهم معين خلال مدة معينة على أن يتم توزيع الأرباح الناتجة من ذلك فيما بينهم أو يتم اقتسام الخسائر إذا حدثت وهي تسمى اتفاقيات التلاعب (Pools).
3- الشراء بغرض الاحتكار Corners
وهو أن يقوم المتلاعب بشراء كمية هائلة من ورقة مالية معينة بغرض الاحتكار مما يمكنه فيما بعد من السيطرة على سعرها ثم بيعها في السوق بالسعر الذي يراه مناسباً. وكما يحدث الاحتكار في السوق المالية فإنه يحدث أيضاً في سوق السلع بنفس الأسلوب حيث يقوم المتلاعب بشراء كميات كبيرة من سلعة ما وتخزينها على أمل أن يتمكن من التحكم في سعرها في السوق، ثم بيعها بالسعر الذي يناسبه.
4- استغلال ثقة العملاء Churning
حيث تقوم شركات السمسرة بالبيع والشراء لأسهم العملاء دون علمهم ودون موافقتهم بغرض تحقيق مكاسب للشركة. ذلك لأن آلية عمل أسواق الأسهم تتطلب من المستثمرين فتح حسابات لدى شركات السمسرة وذلك لأنه لا يمكن للمستثمرين التعامل مع السوق مباشرة. وعليه فإن السمسار يحصل على عمولة السمسرة من صفقات البيع والشراء التي يبرمها لعملائه بغض النظر عن ربح أو خسارة تلك الصفقات. ولذلك فإن شركة السمسرة تسعى لزيادة أرباحها بزيادة عدد صفقات عملائها الذين ربما ليسوا على علم بتلك الصفقات. ويحدث مثل هذا النوع من التلاعب من قبل شركات السمسرة إذا كان العميل قد صرح للشركة بالتداول نيابة عنه فتستغل الشركة مثل هذه الثقة لتحقيق مكاسب ذاتية.
5- الضخ والتفريغ Pump and Dump
حيث يقوم المتلاعب الذي يملك كمية هائلة من أسهم شركة ما - غالباً ما تكون ذات رأس مال صغير - بجذب انتباه المستثمرين إلى السهم، وذلك بترويج إشاعات ونشر بيانات كاذبة ومضللة عن المنشأة وأنها في طريقها على سبيل المثال للتوسع وتحقيق مزيد من الأرباح. وعندما يبدأ السوق بالتفاعل مع تلك البيانات والأخبار يبدأ المستثمرون بالتهافت على شراء ذلك السهم مما يؤدي إلى تضخيم سعر السهم وارتفاعه إلى مستويات عالية. وهنا يأتي دور المتلاعب حيث يبدأ ببيع الأسهم التي اشتراها بسعر أقل ليحقق أرباحاً كبيرة. وما إن يتبين كذب تلك البيانات والإشاعات حتى ينفجر ذلك الانتفاخ ليهبط سعر السهم إلى مستويات متدنية. وبذلك يكون المتلاعب قد حقق أرباحاً كبيرة من الانتفاخ الكاذب لسعر السهم. وعادة ما يلجأ المتلاعبون إلى حيل وطرق لنشر إشاعاتهم عن طريق الانترنت وغرف الدردشة مدعمين أقوالهم بأنهم على اطلاع من داخل الشركة بما يدور فيها، وقد يكون ناشر الإشاعة أحد مدراء أو موظفي تلك الشركة.


المطلب الثالث: الحكم الشرعي لهذه الصور:
لاشك أن التلاعب في الأسواق المالية محرم في شرع الله تعالى، ذلك لأنه يتضمن الإضرار بالمستثمرين لاسيما الصغار منهم، وقد حرمت الشريعة الإسلامية كل أنواع الإضرار بالآخر وأكل ماله بالباطل. وفي التلاعب تغرير بالمستثمرين والنهي عن بيوع الغرر واضحة في أحاديث النبي ﷺ. وفيه كذلك تزوير للمعلومات وكذب واحتيال وهي خصال اتفقت الشريعة الإسلامية على تحريمها.
والصور المعروضة أعلاه لا تخرج عن إطار التلاعب المحرم شرعاً.
فالبيع الصوري فيه تغرير بالمستثمرين وتحايل لأكل أموالهم بالباطل. وفيه مخالفة لمقتضى العقد ومقصده وهو الاستثمار وإضافة قيمة حقيقة للاقتصاد. ونصوص تحريم الغرر وأكل أموال الناس بالباطل جلية في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
و«توافق الطلبات» و«الضخ والتفريغ» فيهما تغرير بالمستثمرين، وفيهما تواطؤ على إغلاء السلعة أو إرخاصها وبالتالي أكل أموال الناس في الجانبين بالباطل. وفيهما صورية العقد إذ إن البيع أو الشراء ليس المقصود منه تملك السهم أو الاستثمار فيه، أو حتى الاستفادة من الفارق الطبيعي للسعر، وإنما القصد تضليل المستثمرين والتحايل عليهم من خلال إغلاء مصطنع وفاحش للورقة المالية.
ونصوص الشريعة المحرمة للشراء بغرض الاحتكار السلبي المضر بالسوق المالية والمستثمرين فيها واضحة جلية أبرزها حديث النبي ﷺ «لا يحتكر إلا خاطئ».
أما استغلال ثقة العملاء من خلال الحصول على عمولة السمسرة من صفقات البيع والشراء، فهي خيانة للأمانة لأن الوكالة من عقود الأمانات، وتوظيفها لتعمد الإضرار بالوكيل لا خلاف في حرمته.
والمعنى الجامع المحرم لهذه الصور هو نشاط المتلاعب غير الإنتاجي، والتأثير السلبي على القيمة الحقيقية للورقة المالية، وتحقيق مصلحة خاصة على حساب الإضرار بشريحة عريضة من المستثمرين من خلال إغناء مجموعة محدودة من المتلاعبين على حساب الأغلبية الساحقة من المستثمرين، وهو ما يسمى اللعبة ذات المبلغ الصفري zero sum-gameوفيه فوق كل هذا مخالفة للقيم الأخلاقية المؤطرة للاستثمار في الشريعة الإسلامية

لا تنسونا بالشكر