PDA

View Full Version : عطف الخاص على العام



chelsea2
09-18-2015, 20:39
من المباحث القرآنية التي يتطرق إليها المفسرون في أثناء تفسيرهم لكتاب الله العزيز، بحث ما يسمى بعطف اللفظ الخاص على اللفظ العام، وذلك أن يكون اللفظ الخاص مندرجاً في اللفظ العام، لكن يُعطف عليه اللفظ الخاص لغرض التنبيه عليها، أو لاعتبار ذي بال.

الغرض من هذا العطف

يذكر أهل العلم أن عطف اللفظ الخاص على اللفظ العام يكون بغرض بيان الاهتمام بهذا المعطوف عطفاً خاصاً، وعباراتهم في ذلك وفق التالي: قال ابن المنير: "عطف الخاص على العام يؤذن بمزيد اعتناء بالخاص لا محالة، إذا اقتصر على بعض متناولات العام؛ لأن الاقتصار على تخصيص ما يُفرد بالذكر يفيده تمييزاً عن غيره من بقية المتناولات". وقال السيوطي: "فائدته التنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنس العام، تنـزيلاً للتغاير في الوصف منـزلة التغاير في الذات". وقال ابن عاشور مبيناً الغرض من هذا العطف: "وعطف الخاص على العام اهتماماً به كثير في الكلام".

وقد ذكر أبو حيان: أن هذا النوع من العطف، أعني عطف الخاص على العام، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف. وحكى عن شيخه ابن الزبير أنه كان يقول: "هذا العطف يسمى بالتجريد، كأنه جُرِّد من الجملة، وأُفرد بالذكر تفضيلاً".

ومن الأحكام التي قررها العلماء في هذا الصدد، أن اللفظ الخاص لا يقيد عموم العام، قال ابن العربي: "إذا كان أول الخطاب لفظاً عاماً فما عُطف عليه بلفظ الخصوص، لا يوجب تخصيص عموم اللفظ؛ وذلك نحو قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة:228)، وهو عموم في المطلقة ثلاثاً وما دونها، ثم عطف قوله تعالى: {فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} (البقرة:231)، وقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} (البقرة:228)، وهذا الحكم خاص في المطلِّق لما دون الثلاث، ولم يوجب ذلك تخصيص عموم اللفظ في إيجاب ثلاثة قروء من العدة على جميعهن".

أمثلة على هذا العطف من القرآن

المثال القرآني الأبرز في باب عطف الخاص على العام قوله عز وجل: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} (البقرة:98)، فقوله سبحانه: {وجبريل وميكال} عطف على (الملائكة) من باب عطف الخاص على العام؛ وذلك أن جبريل وميكال من جملة عموم الملائكة. وخص جبريل بالذكر رداً على اليهود في دعوى عداوته، وضُمَّ إليه ميكال؛ لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد، كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح.

ومن هذا الباب أيضاً الأمثلة القرآنية التالية:

قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} (البقرة:47)، عَطْفُ (التفضيل) على (النعمة)، هو من عطف الخاص على العام؛ لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور.

قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات} (البقرة:185)، عطف قوله: {وبينات}، على {هدى}، هو من عطف الخاص على العام؛ لأن (الهدى) منه خفي ومنه جلي، فنص بـ (البينات) على الجلي من الهدى؛ لأن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، فذكر عليه أشرف أنواعه، وهو الذي يتبين الحلال والحرام والموعظة. قال السمين الحلبي معللاً الغرض من هذا العطف: "لأن الهدى يكون بالأشياء الخفية والجلية، والبينات من الأشياء الجلية".

قوله عز وجل: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} (الأنعام:99)، قراءة الجمهور بكسر التاء {وجنات} عطفاً على قوله: {نبات} وهو من عطف الخاص على العام؛ تشريفاً لهذين الجنسين على غيرهما.

قوله تعالى: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء} (البقرة:169)، من عطف الخاص على العام؛ لأن (السوء) أعم يشمل جميع المعاصي، {والفحشاء} أقبح المعاصي.

قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} (البقرة:189)، قال العلماء: "عطف (الحج) على (الناس) من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقت لجاء الناس للحج متخالفين، فلم يحصل المقصود من اجتماعهم، ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم وحلولهم بمكة وأسواقها، بخلاف الصلاة فليست موقتة بالأهِلَّة، وبخلاف الصوم فإن توقيته بالهلال تكميلي له؛ لأنه عبادة مقصورة على الذات، فلو جاء بها المنفرد لحصل المقصد الشرعي، ولكن شرع فيه توحيد الوقت؛ ليكون أخف على المكلفين، فإن الصعب يخف بالاجتماع، وليكون حالهم في تلك المدة متماثلاً، فلا يشق أحد على آخر في اختلاف أوقات الأكل والنوم ونحوهما".

قوله سبحانه: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة} (البقرة:231)، قوله: {وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة} من باب عطف الخاص على العام؛ لأن (الكتاب) و(السنة) من أفراد النعمة الإلهية.

قوله سبحانه: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (آل عمران:104)، قيل: أريد بـ {الخير} ما يشمل جميع الخيرات، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به.

قوله عز وجل: {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما} (النساء:30)، عطف قوله: {وظلما} على {عدوانا} من عطف الخاص على العام.

قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} (المائدة:93)، (التقوى) امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، فَعَطْفُ {وعملوا الصالحات} على {اتقوا} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به؛ ولأن اجتناب المنهيات أسبق تبادراً إلى الأفهام في لفظ (التقوى) لأنها مشتقة من التوقي والكف. وأما عطف {وآمنوا} على {اتقوا} فهو اعتراض؛ للإشارة إلى أن (الإيمان) هو أصل (التقوى).

قوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن} (الأنعام:19)، فقوله سبحانه: {وأوحي إلي هذا القرآن} عطف على جملة {الله شهيد بيني وبينكم}، وهو الأهم فيما أقسم عليه من إثبات الرسالة، وينطوي في ذلك جميع ما أبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أقامه من الدلائل، فعطف {وأوحي إلي هذا القرآن} من عطف الخاص على العام.

قوله سبحانه: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي} (الأعراف:33)، عطف (البغي) على (الإثم) من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به؛ لأن (البغي) كان دأبهم في الجاهلية.

قوله سبحانه: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة} (الأعراف:170)، عطف (إقامة الصلاة) على (التمسك بالكتاب) من باب عطف الخاص على العام، مع أن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب، لكن خُصت بالذكر؛ إظهاراً لمرتبتها لكونها عماد الدين.

قوله عز وجل: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} (الأنفال:60)، عطف {رباط الخيل} على (القوة) من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بذلك الخاص؛ إذ الخيل كانت ركيزة أساسية في مواجهة العدو.

قوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن} (يونس:61)، عطف {وما تتلوا} من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، فإن التلاوة أهم شؤون الرسول عليه الصلاة والسلام.

قوله سبحانه: {وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته} (الأنبياء:19)، فقوله تعالى: {ومن عنده} يجوز أن يكون معطوفاً على {من في السماوات والأرض} فيكون من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به، ووجه الاهتمام ظاهر. ويجوز أن يكون {ومن عنده} مبتدأ، وجملة لا يستكبرون عن عبادته خبراً.

قوله تعالى: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} (الأنبياء:73)، عَطْفُ {الصلاة} و{الزكاة} على {فعل الخيرات} من باب عطف الخاص على العام؛ فإنهما من {فعل الخيرات}، وخصهما بالذكر؛ لفضلهما، ورفعة مرتبتهما.

قوله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} (النور:37)، قوله سبحانه: {وإقام الصلاة} هذا من عطف الخاص على العام؛ إذ أن إقامة الصلاة من جملة ذكر الله؛ أفردها بالذكر تبياناً لمكانتها في الدين.