PDA

View Full Version : قراءة المستقبل في مرآة الماضي



justsmile
01-10-2016, 01:30
قراءة المستقبل في مرآة الماضي


ولكن،هل يمكن أن نفهم الماضي من خلال خطوط صمّاء ، تتلوى على صفحة شاشة خرساء ؟

وإن نحن فهمنا هذه الخطوط ، وأحسننا قراءتها ، وأتقننا فكّ رموزها ،
فهل يعقل أن نحسن توقع أشكال خطوط الغد ، من خلال فهمنا لمعاني خطوط الأمس ورموزها ؟
أيعقل ترى ، أن نستقرئ المستقبل ، إنطلاقا من فهمنا لأحداث الماضي ؟

نعم ، إنّ هذا لممكنٌ . إنّ هذا لممكنٌ .

إنّ قرار كلّ عملية من عمليات البيع والشراء التي أجريت في سوق من الاسواق أسهما كان أم عملات ، إنما اتخذه إنسان ما ، في مكان ما ، وفي وقت ما ، ولسبب ما قد يكون مرتكزا على أصول عقلية منطقية ، أو على أخرى نفسية إنفعالية بحتة ، كما إنه قد يكون
- كما هو الحال غالبا - نتيجة تفاعل وتداخل بين عوامل عقلية ونفسية معا .

نعم إنّ كلّ هذه القرارات إنما صدرت عن أناس ، بل قل :
عن فيض من التحليلات والافكارالتي انتجتها عقول هؤلاء الاشخاص ؛ فاختلطت بفيض من مشاعر ضاقت بها صدورهم ، وانفعالات عبقت بها نفوسهم ، واضطرابات جاشت بها قلوبهم ، لتترجم فيما بعد صفقات بيع وشراء ، نرى انعكاساتها على الشاشة أمامنا ، عبر رموز تتزاحم لتنقل الينا رسما يبيّن ترجمة لها ، رسما يسميه الخبراء : الشارت .

فالشارت ، عزيزي القارئ ، إن هو إلا ترجمة مباشرة لتصرفات المتعاملين واللاعبين على هذه الحلبة ، كبارا كانوا أم صغارا .
أن هو إلا تخطيطا دقيقا لدقات قلب يضخ الدم في جسم هائل ، وإشارات دماغ يسّير هذا الجسم ويتحكم بحركاته كلها .
ومن أجل فهم هذه التحركات الظاهرة على الشاشة ، لا بدّ أن نرى - أو نتخيل على الأقل - اليد القوية المحركة لها ، وان نفقه - أو نتصور على الأقل - القوة الخفية الكامنة وراءها .

وإن نحن فهمنا ما يجري أمامنا اليوم ، وما جرى أمامنا بالامس ، وما قبل الامس ، فهل يصحّ ان ننقل هذه الاحداث الى الغد ؟ هل يصحّ ان نستنبط منها ما قد يكون عليه المستقبل ، وأن نحوّل استنباطنا ، إن هو أصاب ، الى صفقات كثرت الرابحة بينها وندرت الخاسرة ؟
نعم ، إنّ هذا لممكنٌ . إنّ هذا لممكنٌ .
أما البرهان على ذلك ، فانما يتمّ بالمعادلة التالية .
إنّ ردات فعل الانسان حيال ظروف أو أحداث متشابهة ، تكون غالبا متقاربة ، إن لم نقل متشابهة كلّ التشابه . وهذا ما يمكن لكل واحد منا أن يستنتجه من حياتنا اليومية إن هو دقق الملاحظة ، وركّز الانتباه .

إن كثرة معايشتنا لشخص من الأشخاص ، سواء انتمى الى أفراد العائلة ، أو الى دائرة الاصدقاء ، تجعلنا قادرين على تصور ما قد يصدر عنه حيال حدث معين من تصرف بناء على ما راينا منه في مناسبات مشابهة سابقة .
نحن نعرف انه قد يثور ويصرخ ويشتم في حالة ما ، لانه ثار وشتم وصرخ في السابق في حالة مشابهة .
ونحن نعرف انه سوف يصمت ويطأطئ الرأس ويحزن أمام خبر ما ، لأنه صمت وحزن وطأطأ الرأس أمام حدث مشابه .

وما يصحّ قوله في الانسان الفرد ، يصحّ كذلك في الجماعة ، قليل كان عددها أو كثير . فتصرّف الجماعة حيال حدث ما،لا يختلف عن تصرّف الفرد ، ويمكن استباقه وتخيله وتقديره ، من قبل الفلاسفة ، وعلماء النفس ، وعلماء الاجتماع . وهو يكاد يكون واحدا حيال خبر مفرح كاكتساب النصر في المعارك ، والغلبة في الحروب ، كما حيال خبر محزن كالخسارة الوطنية العامة ، أو الزلازل والكوارث .

وأن كان يصحّ أن يكون هذا التصرف واحدا في حالات معروفة من قبل العامة ، ومشهود بها من قبل الاختصاصيين من علماء النفس والاجتماع ، فلماذا لا يكون واحدا ايضا ، في حالات مشابهة تعيشها هذه الجماعة في سوق البورصة ، بحيث أنها تتعرض لنفس الانفعالات النفسية ، فرحا وحزنا ، فتنتج عنها تصرفات مشابهة لتلك الناتجة عن النصر أو الكارثة ، وتترجم فورا الى قرارات ، وتتحول هذه الى أفعال ، وترتسم الافعال رسما بيانيا ، يسمونه شارت ؛ فينكبّ عليه المحلل التقني دارسا ، مستنطقا ، مستقرئا ، مقارنا ، مشبّها ؛ ولا يزال به الى ان تتكشف له أسرار ، وتتفتح له أبواب ، وتتقشع له دروب ، فيخرج على الملأ بنظريات ، تكوّن ركائز علم جديد فيه الغثّ وفيه الثمين . تماما كما في كل علم وتماما كما في كل فنّ .

وهل المحلل التقنيّ سوى عالم نفس واجتماع ؟

أليس العاملون في البورصة أناسا كما غيرهم من الذين يشكلون حقل تجارب ، أو مادة دراسة لعلماء النفس المعروفين ؟

ألا يخافون من خسارة ويحزنون لها ؟
الا يهللون لنصر ويفرحون له ؟
ألا يحبون ، ويكرهون ، ويطمعون ، ويحسدون ، ويغيرون ، ويخشون ، ويياسون ؟

فلماذا اذن لا يكون لهم علماء خبراء ، يهتمون بتحليل انفعالاتهم هذه وتسجيلها ؟

لماذا لا يكون المحلل التقني ، هو عالم النفس هذا ؟

ولماذا لا يكون التحليل التقني وسيلة مثلى لاستباق أحداث المستقبل ، انطلاقا من أحداث سابقة حصلت في الماضي وفي ظروف مشابهة ؟

نعم إنه لكذلك ، وستبقى له هذه الاهمية طالما ان العاملين في السوق بشر كما غيرهم في ميادين الحياة الاخرى . فتصرفاتهم واحدة . تروح وتجيء . تموت لتحيا . وهي أبدا في حركة دائرية لا تنتهي .

والبورصة ، ما البورصة ؟ إن هي إلا كائنا حيّا كما كلّ الكائنات