PDA

View Full Version : أشكال النقود



4peace
07-01-2016, 01:25
سبق أن أشرنا إلى أن النقود قد أخذت أشكالا متعددة في خلال تطورها التاريخي. وقد بدأت في شكل سلعة من السلع ذات الانتشار الواسع الاستخدام، التي تمتعت بالتالي بنوع من القبول العام. وهذه هي مرحلة النقود السلعية. ومع استمرار قيام إحدى السلع بوظائف النقود أظهرت بعض المعادن وخاصة الذهب والفضة مزايا خاصة ساعدتها على القيام بهذه الوظائف؛ من ذلك أن هذين المعدنين لا يتعرضان للتلف أو الخسارة، وأنه يمكن تجزئتهما وإعادة صهرهما، وأنهما نادران نسبيا وبالتالي يتمتعان بقيمة مرتفعة تسمح بإجراء معاملات كبيرة بأحجام معقولة من المعدن. وهذه هي مرحلة النقود المعدنية. ومع انتشار التجارة وقيام الأوراق التجارية بدأت بعض البيوتات المالية (البنوك) في الاحتفاظ بالنقود المعدنية مقابل إصدار أوراق تجارية تتداول بدلا من النقود المعدنية المحفوظة في خزائنها. وهكذا بدأت هذه الأوراق تتمتع بنوع من القبول العام في أوساط التجار ثم توسع استخدامها إلى الجمهور الواسع، وبدأت مرحلة النقود الورقية حيث اقتصر إصدار هذه النقود الورقية على أحد البنوك الرئيسية والذي أصبح فيما بعد البنك المركزي. وأخيرا جاء التعامل مع البنوك التجارية وإصدار مديونياتها في شكل ودائع (مديونية) تقيد في حساباتها وتنتقل هذه القيود المحاسبية عن طريق الشيك. ومع التوسع في استخدام الشيكات لدى البنوك وانتقال الأموال بين الأفراد عن طريق نقل حساباتهم لدى البنوك في شكل تغيير في شكل القيود المحاسبية لدى البنك بتبديل اسم الدائن، بدأت تظهر النقود الائتمانية، والتي تتمثل في مديونية أو ائتمان البنك والذي أصبح يقبل في التعامل بين الأفراد. وهكذا فإن مديونية البنك لم تعد مقصورة عليه بل إنها تمتعت بنوع من القبول العام، بحيث أصبح الأفراد يقبلون التنازل عن السلع والخدمات المعروضة للبيع مقابل الحصول على مديونية البنك التجاري. وهكذا أصبح البنك التجاري خالقا لنوع جديد من النقود وهو نقود الودائع أو النقود الائتمانية. ومع هذا التطور تخلصت النقود نهائيا من كل أثر مادي لتصبح مجرد مديونية أو قيد محاسبي في دفاتر البنك يمثل مديونية البنك.

وهكذا ظهرت النقود في شكلها النهائي وفقا لطبيعتها الحقيقية والتي كانت تختفي - إلى حد ما - مع الأشكال المادية للنقود. النقود ليست شيئا ماديا، ليست سلعة، بل هي حق أو مديونية، ولكنها مديونية من نوع خاص هي مديونية يمكن أن تتحول إلى سلع خدمات يمكن اقتضاؤها من أي فرد في المجتمع يعرض بضاعة للبيع. وهكذا فإن حامل النقود يتمتع بحق في تحويل هذه النقود إلى سلع وخدمات، ويمكن أن يحصل على حقه هذا من أي فرد يعرض سلعه أو خدماته للبيع. وبذلك فإن المدين النهائي في حالة النقود هو مدين غير محدد. النقود حق على الاقتصاد في مجموعه أو الإنتاج القومي المعروض للبيع. فكل مالك لكل عنصر من هذا الإنتاج يمثل مدينا ممكنا أو محتملا في مواجهة حامل النقود الذي يكون له الحق في اقتضاء هذا الحق من أي منتج في الاقتصاد . ولذلك فإن النقود دين على الاقتصاد القومي وحق لحاملها في مواجهة هذا الاقتصاد .

ومتى اتضحت طبيعة النقود على هذا الشكل فإنها تخرج من إطار السلع أو الإنتاج بصفة عامة لتدخل ضمن قائمة الحقوق أو الأصول المالية، وهي تتميز عن غيرها من الأصول المالية بأنها تتمتع بقابلية نهائية للتداول، وهذا ما يطلق عليه معنى السيولة، وتقاس سيولة الأصول المالية من أسهم وسندات وغيرها بشكل عام بمدى قدرتها على التحول إلى نقود. وتتمتع النقود كأصل مالي بثبات نسبي في القيمة لأن النقود كما سبق أن أشرنا هي أساس أو مقياس القيمة، الأمر الذي يتطلب قدرا من الاستقرار في القيمة. ونحن هنا نتحدث عن الثبات النسبي لقيمة النقود. ولكن ذلك لا يمنع من أن هذه القيمة قد تتغير، بل وقد تتدهور بشكل كبير نتيجة للتضخم.