PDA

View Full Version : ثمن النقود



4peace
07-01-2016, 01:33
النقود ليست سلعة، وعندما تكتشف حقيقة النقود بعد تطور طويل، فإن الحديث عن ثمن تبادل النقود ليس حديثا عن مبادلة سلعة بسلعة؛ تمرا بتمر، أو برا ببر، أو ذهبا بذهب. فالنقود ليست من المثليات التي تتبادل فيما بينها، والتي يصدق عليها قول أرسطو، بأن النقود لا تلد. والحديث عن تبادل النقود أو ثمن هذا التبادل يمكن أن يتم عند اختلاف محل التبادل في المكان أو الزمان.

فمن حيث الاختلاف في المكان، تتبادل العملات المختلفة فيما بينها. فالمعروف أننا لم نصل بعد إلى مرحلة النقود العالمية، والنقود الوطنية المتداولة تمثل حقا على الاقتصاد الوطني دون مجاوزة حدوده. فالجنيه المصري حق أو دين على الاقتصاد المصري وبالتالي يتم التعامل فيه داخل حدود هذا الاقتصاد ، في حين أن الدولار أو الجنيه الإسترليني تمثل حقوقا على الاقتصاد الأمريكي أو البريطاني. ولذلك فإن تبادل الجنيه المصري مقابل الدولار أو الإسترليني هو مبادلة حقوق على الاقتصاد المصري مقابل حقوق على الاقتصاد الأمريكي أو البريطاني. ومن الطبيعي أن يكون من حق المتعاملين أن يتفقا على تحديد سعر التبادل بين العملتين في ضوء نظرة كل منهما إلى قوة وطبيعة كل من الاقتصاد المصري والأمريكي والبريطاني. وقد يختلف هذا التقدير بين شخص وآخر كما قد يختلف بين فترة وأخرى. وهذا التبادل بين العملتين ليس تبادلا بين مثليات، فالجنيه المصري تعبير أو رمز عن الاقتصاد المصري المركب، كما يعبر الدولار أو الإسترليني عن الاقتصاد الأمريكي أو البريطاني.

ومن الواضح أنه لا يمكن القول بأن هذه العملات تعتبر مثليات يقوم كل منها مقام الآخر. ولذلك فإن تبادل العملات المختلفة ليس تعاملا في مثليات وبالتالي يخضع سعر هذا التبادل للتقدير ويعرف التقلبات. وهذا هو ما يعرف باسم سعر الصرف.

وبالمثل فإن تبادل النقود مع بعضها قد يكون في الزمان أيضاً. وفي هذه الحالة فإن مبادلة النقود إنما هي مبادلة زمن بزمن، مقايضة حق على الاقتصاد القومي الآن، بحق على الاقتصاد القومي غدا أو بعد غد. وقد يكونان شيئين مختلفين تماما من حيث حجم الإنتاج وتنوعه والقوة الشرائية لوحدة النقد. ومن هنا أيضا فإن الحديث عن ثمن النقود هو حديث عن ثمن الزمن أو هو تعبير عن التفضيل الزمني. وهذا هو سعر الفائدة. فمن يتنازل عن قدر من النقود الآن لا يتنازل عن سلعة أو سلع محددة، وإنما هو يتنازل عن حق أو سهم في الإنتاج القومي المتاح حاليا. وعندما يسترد نقوده في المستقبل فإنه لا يسترد سلعا أو خدمة تنازل عنها لفترة، وإنما يسترد حقا على الإنتاج القومي أو سهما فيه في فترة زمنية لاحقة. وقد يحدث خلال هذه الفترة من تغيرات على الإنتاج القومي ما يجعله يتقدم وينمو، أو ما قد يعرضه لمشاكل فيتراجع أو يتدهور، وكلها مخاطر واحتمالات. ومن الطبيعي أن يتوقع أن يعوض عن تحمله لبعض هذه المخاطر أو يشارك بنصيب في التقدم العام الذي صاحب الإنتاج القومي عند الانتقال من فترة إلى أخرى. وكما لا يستحم الإنسان في نفس النهر مرتين لاستمرار تدفق المياه وتغيرها، فإن من يسترد نقوده لا يسترد نفس الشيء، وإنما يتعلق حقه باقتصاد وإنتاج جديدين، وبالتالي فمن حقه أن يتفق على شروط المبادلة بما في ذلك حقه في استيفاء ثمن لنقوده القديمة والتي يستبدلها بنقود جديدة ترتبط باقتصاد جديد وزمن آخر. فمبادلة النقود ليست مبادلة بين المثليات، بل هي مبادلة بين حقوق على اقتصاديات مختلفة، ولابد لهذه المبادلة من معدل للتبادل أو ثمن. وهذا هو سعر الفائدة أو سعر الخصم، وهو ثمن النقود.