PDA

View Full Version : سيتمّ إلتماس التأثير الحقيقي للبريغزيت على اليورو من خلال النظام المصرفي الإيطالي



hamedibrahim
07-18-2016, 19:13
الآفاق الأساسية لليورو/الدولار الأمريكي: محايدة

عقب البريغزيت، باتت المصارف الإيطالية في حاجة ماسة الى إعادة الرسملة- ولكن كيف؟

الأضرار الجانبية للوضع المصرفي الإيطالي قد تتمثّل بالمستشارة الألمانية ميركل نفسها

شهدت الأسواق المالية تذبذبات كثيفة في الأسابيع القليلة الماضية، وحتّى في ظلّ تسارع الأسهم صعودًا من جديد، هنالك بضعة شرائح من الأسواق التي لا تزال تضمّد جراحها. برز نمط واحد: لم تعد أسواق الصرف تتداول بشكل تناظري، أي من خلال عقلية "المخاطر والخالي من المخاطر". عوضًا عن ذلك، بات التداول متمحور حول أوروبا؛ يتداول الجنيه الاسترليني واليورو والفرنك السويسري في الإتّجاه نفسه (بدرجات متفاوتة).

من الناحية السطحية، يقع اللّوم على البريغزيت. تظهر نظرة معمّقة أكثر أنّ المخاوف المتزايدة لا تتمحور حول عضوية المملكة المتحدة في الإتحاد الأوروبي، ولكن حول عافية النظام المصرفي الأوروبي. غالبًا، عندما يواجه بلد مشكلة في أوروبا، يشار إليه "بالرجل المريض". في هذه الحالة، إيطاليا هي الرجل المريض- المشكلة الأكبر لمشكلة أوروبا الكبرى. في أعقاب تصويت البريغزيت في 23 يونيو، كما رجّحنا الحدوث، سارع رئيس الوزراء الإيطالي رينزي الى الإشارة الى ضرورة إعادة رسملة المصارف.

للحصول على حق الدخول الكامل والإطلاع على جميع الإستراتيجيات اليومية، سجل هنا

المسألة واضحة: قوّض عقد من النمو الضعيف ومعدلات الفائدة المتدنية النظام المصرفي الإيطالي. أطاح تراجع المعدلات السيادية وفوارق العائدات بصافي هامش أرباح المصارف وبالتالي ربحيتها؛ تملك المصارف الإيطالية الآن ما يناهز 360 مليار يورو من القروض المعدومة في ميزانياتها العمومية. تملك المصارف الإيطالي حوالى ثلاثة أضعاف القروض المعدومة التي كانت تملكها المصارف الأمريكية عندما طالتها الأزمة المالية العالمية. هذا هو سبب رئيسي للقلق.

الطريقة الأكثر فعالية لحلّ المشكلة، بالطبع، بشكل واضح، هي المزيد من رؤوس الأموال. في الأعوام السابقة، كان هذا نهج واضح في أوروبا: إنقاذ مموّل من خلال دافعي الضرائب. مع بداية هذا العام، لم تعد الإنقاذات وفق الشكل المذكور مسموحة.

في بداية العام 2016، تمّ الإعلان عن مدوّنة إنقاذ المصارف أو تصفيتها، التي أمرت مفوضّية الإتحاد الأوروبي من خلالها 11 دولة (من بينها إيطاليا) بالإمتثال الى قاعدة "الإنقاذ الداخلي أي تكبّد الدائنين والمودعين الخسائر على حيازاتهم" (التي تتعارض مع الإنقاذ الخارجي الذي يتمّ فيه اللّجوء الى أطراف خارجية للإنقاذ). يتمّ توزيع أموال إعادة الرسملة التي يوفرها دافعو الضرائب مع بضعة شروط وتداعيات محدودة على الدائنين. ساعدت هذه الدينامية على استدامة الأزمة: تمّ رمي الأموال الجيّدة بعد تلك السيئة. أدّت الحلقة المفرغة هذه الى استدامة الأزمة؛ باتت المصارف والسيادة مرتبطين ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض.

الإنقاذ الداخي لا يزال يحتاج أموال دافعي الضرائب، ولكن وفق أوضاع أقلّ تشدّدًا. لا يمكن اسخدام أموال دافعي الضرائب ما لم يحصل دائنو البنك على 8% من موجبات المصرف المستحقة. عادة ما تعني شروط الإنقاذ الداخلي شطب الدائنين، وإذا كانت صارمة كفاية، قد يتأثر المودعون غير المضمونين.

يبدو ذلك كنهج منطقي نظريًا: يتمّ شطب مستثمري الأسهم أوّلاً؛ من ثمّ حاملي السندات الثانويين (الصغار)؛ من بعدهم حاملي السندات الكبار؛ وإذا اقتضت الحاجة، كبار المودعين غير المضمونين. سيكون المودعون الصغار (أقلّ من 100000 يورو) تحت الحماية، ولكن الكبار لن يحصلوا على الحماية.

التطبيق هو مختلف عن النظرية. الشعب الذي تسعى الحكومة الإيطالية حمايته من خلال محاولة إعادة رسملة المصارف- مودعو التجزئة- هو الشعب الذي سيضطرّ الى الدفع بهدف حصول الإنقاذ الداخلي في معظم المصارف. بسبب قانون الضرائب الإيطالي، هنالك حافز قويّ لإمتلاك مؤسسات مالية؛ السندات. ونتيجة لذلك، حوالى 45% من الديون الثانوية للمصارف الإيطالية هي مملكوكة من قبل مستثمري تجزئة.

المفارقة الأولى ليست غير مفهومة من قبل رئيس الوزراء رينزي الذي يعرف جيدًا تداعيات هيكل القرار. في نوفمبر 2015، عندما كانت تتمّ تجربة مدوّنة إنقاذ المصارف أو تصفيتها قبل أن تصبح قانونًا، قامت حكومة رينزي بإنقاذ أربعة مصارف داخليًا. تكبّد مودعو التجزئة على حيازاتهم للسندات خسائر كبيرة على وجه الخصوص، وقام شخص واحد على الأقلّ بالإنتحار عقب خسارته مدخراته التي تصل الى 110000 يورو. كان ذلك بمثابة عاصفة سياسية لرينزي. سيترتّب عن تطبيق ذلك على نطاق واسع في صفوف المؤسسات المالية الكبرى في إيطاليا تداعيات سياسية وإجتماعية كبيرة.

النزاع الجديد هو آخر ما يخطر على بال رينزي في الوقت الراهن، إذ أنّه راهن على وضعه السياسي من خلال إجراء إستفتاء على الإصلاح الدستوري في أكتوبر، الأمر الذي قد يبدّد الركود الحاصل في البرلمان الإيطالي. يحتاج رينزي للحصول على قوّة سياسية من أجل جعل الأمور تصبّ لصالحه، وإلاّ، أشار الى أنّه قد يستقيل من منصبه كرئيس حكومة. في حال فشل الإستفتاء، ستشهد إيطاليا بحلول نهاية العام اتّساعًا في فروقات الإئتمان، تناميًا في تذبذبات السوق وركودًا. يعزّز هذا الفارق تعقيد الوضع المتأزم الذي يجد رينزي نفسه فيه، لأنّ ذلك يعني أنّه سيتمّ النظر الى الإقتصاد الإيطالي على أنّه ميؤوس منه في تلك المرحلة.

كانت هنالك محادثات عن أنّ الحكومة الإيطالية تسعى للإلتفاف حول قواعد الإنقاذ الداخلي في الإتحاد الأوروبي نظرًا الى التركيبة غير التقليدية لحاملي سندات المصارف الإيطالية- الدائنين هم عادة مؤسسات مالية كبيرة، وليس مدّخري تجزئة (شائبة في قانون الضرائب الإيطالي يجب معالجتها). الشعب الذي يسعى رينزي حمايته هو ذلك التي سيدفع ثمن الإنقاذ الداخلي، موقف متناقض. في هذا الصدد، بدأت تسري بعض الشائعات التي تفيد بوجود صندوق إغاثة لحاملي السندات الثانويين الذين سيتكبّدون الخسائر جراء الإنقاذ الداخلي، وهو جهد مثير للجدل في الواقع.

يتمثّل الحلّ المالي الأسهل بالنسبة الى رينزي والأصعب بالنسبة الى قيادة الإتحاد الأوروبي بإنقاذ إيطاليا تحت لواء القواعد التي كانت سارية المفعول ما قبل العام 2016. بهذه الطريقة، من الممكن أن تعمل الحكومة الإيطالية لإعادة رسملة المصارف الأكثر ضعفًا مباشرة- مونتي باتشي على سبيل المثال. سيكون ذلك الحلّ الأكثر تكلفة من الناحية السياسية، ما يشعل فتيل الحركات الشعبية التي تدخل حركة النجوم الخمسة المشكّكة باليورو دائرة الأضواء.

سيكون ذلك بمثابة إذلال للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أوردت بثبات أنّنا "كتبنا قواعد النظام الإئتماني، لا نستطيع تغييرها كلّ عامين". مع إجراء الإنتخابات الفدرالية الألمانية في العام القادم، سيؤدّي أي أمر يجعل ميركل بعيدة عن مبادئها بكلّ سهولة الى بروز إنشقاق في حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه ويدعم حزب البديل لألمانيا، وهو حزب ألماني مشكّك باليورو. هذه مفارقة جديدة أخرى محتملة بالنسبة الى رينزي: إنقاذ النظام المصرفي الإيطالي؛ ترك ركيزة أوروبا المتمثلة بميركل ضعيفة.

يبدو ذلك جيمعه مألوفًا: القيام بتسويات سياسية في مواجهة إستفتاء أو إنتخابات، فقط للإستفادة. هل يبدو ذلك مألوفًا؟ تعهّد دايفيد كاميرون بإجراء استفتاء البريغزيت فقط لتهدئة الجناح الأيمن من حزب المحافظين وبدا حزب الإستقلال البريطاني غير هامّ في ذلك الوقت، ولكن ها نحن. من المحتمل أن تكشف الأشهر القليلة القادمة النقاب عن سيناريوهات مماثلة بالنسبة الى رينزي وميركل. قد يكون ذلك بمثابة وضع لا يربح فيه أي طرف: في حال تمّ إنقاذ النظام المصرفي الإيطالي، سيكون رينزي وميركل في وضع حرج؛ في حال لم يتمّ ذلك، سيعتبر التاريخ المونتي باتشي بمثابة بير ستيرنز أوروبا.