PDA

View Full Version : (2 ( ً كروزو يبتكر سلعا مستعينًا بقدراته العقلية



bahoma310
12-01-2016, 12:27
عندما وجد كروزو نفسه وحيدا على جزيرته الاستوائية، أدرك على الفور أن ما يحدث
حوله لا يروق له. فقد بدأت معدته تقرقر، وأصبح حلقه جافٍّ ً ا، فضلا عن أنه لا يرى
أي مأوى طبيعي يقيه من العواصف املطرية املروعة التي لا بد أنها تضرب الجزيرة من
ً آن لآخر. وبدلا َ من أن يستسلم كروزو لقدره، فإنه يقرر أن يفعل شيئًا لتغيري مسار
الأحداث، بحيث تسري الأمور على نحو يروق له أكثر.
ً وقبل أن يتخذ كروزو قرارا عقلانيٍّ ً ا بشأن ما سيفعله، فإنه بحاجة أولا أن يرى ما
لديه. يتسلق كروزو قمة أحد التلال ويلقي نظرة على الجزيرة، فريى الكثري من أشجار
ً جوز الهند، وجداول صغرية من املياه الجارية، فضلا عن العديد من الصخور ذات
ُ الأحجام املختلفة، وأشجار ك ً روم قوية. يبدأ عقل كروزو في العمل ليقرر ما سيفعل أولا.
هنا يمكننا أن نتوقف، ونصف املوقف باستخدام املفاهيم الاقتصادية. لعلَّك على
الأرجح أدركت — مثلما أدرك كروزو — السبب في أن الأشياء املذكورة في الفقرة السابقة
وثيقة الصلة بموقفه هذا، وأنها ستكون ضمن الحقائق التي ستأخذها في اعتبارك إذا
وجدت نفسك في موقف كروزو. وباستخدام املصطلحات الاقتصادية، فإن كروزو أجرى
ًجردا للسلع املتوفرة لديه؛ بمعنى أنه قيَّم مخزون العناصر املادية املتاحة أمامه التي
يظهر فيها أثر الندرة.
كان من املمكن أن يقول كروزو في النهاية: «حسنًا، هذه الجزيرة خاضعة لقوة
الجاذبية الأرضية، أي إنني لن أنجرف إلى الفضاء الخارجي وأتجمد من البرد. هناك
الكثري من الأكسجني هنا، أي إنني لن أختنق. ووجود غلاف جوي أمر مفيد لأنه ينقل
ِّ الأمواج الصوتية بما يمكنني من سماع صوت العاصفة وهي تقترب.» خصائص الجزيرة
ٍّ هذه مفيدة جدا لكروزو، وستساهم في تحقيق أهدافه، لكنه لن يركز عليها أثناء وضعخططه، لأنها ليست نادرة. فهو لا يحتاج لأن «يقتصد» في استهلاك هذه الظروف العامة
املحيطة مثلما يحتاج للتحكم في استهلاكه للجوز والكروم ... إلخ.
تعد «املفاضلات» العلامة املميزة للندرة. فإلى أن يعثر كروزو على مصدر آخر للغذاء
(مثل السمك بعد صنع بعض الأدوات اللازمة للصيد)، هو بحاجة لأن يحرص على ألا
ً يستهلك ما لديه من جوز الهند سريع ً ا. (وهو أيضا لن يحرق مجموعة من أغصان الجوز
فقط من باب التسلية.) وإذا قرر استخدام صخور معينة لبناء مأوى، فإنه لن يستطيع
استخدام الصخور نفسها لإشعال النريان. وحتى إذا كانت أشجار الكروم متوافرة في كل
ً مكان، فعليه أن يكون حريصا عندما يقطعها لصنع شبكة صيد، لأن التوغل في الغابة
للعثور على مزيد من الكروم يستغرق وقتًا.
وكما تبني كل هذه الأمثلة، فإن كروزو بحاجة لأن يفكر في تبعات أفعاله كلما
تضمنت خططه استخدام الصخور والكروم والجوز ... إلخ. فلأن هذه العناصر نادرة،
ربما يندم كروزو لاحقً ا على التأثري عليها، لأن هذا سيضعف قدرته على تحقيق أهدافه
في املستقبل. والعناصر التي يمكن أن تساعد املرء في تحقيق أهدافه، وتساعده في تحقيق
ً سمى «سلعا». في املقابل، نجد أن الظروف
مزيد من الأهداف إذا توافر املزيد منها تُ
ً املحيطة مثل الجاذبية والأكسجني ليست سلعا باملفهوم الاقتصادي، لأن أي إجراء سيقدم
ْ عليه كروزو لن يقلل من نفعها في تحقيق أهدافه. وليس عليه أن يقلق بشأن العدو
َّ بأقصى سرعة ومن ثم ً «استهلاك كل الأكسجني»، فضلا عن أنه لا يواجه أي مفاضلات
2 علاوة على ذلك، ليست
عند الاعتماد على الجاذبية أثناء ضرب ثمار الجوز بعصا طويلة.
هناك أهداف أخرى من املمكن أن يحققها كروزو لو توافر لديه «مزيد من الأكسجني» أو
«مزيد من الجاذبية». فبالرغم من أن الأكسجني والجاذبية ضروريان لحياة كروزو، فإنه
َّ ليس في حاجة للاقتصاد في استخدامهما، ومن ثم لا يصنفان على أنهما سلع اقتصادية.
من املهم أن ندرك أن أي عنصر يصبح سلعة عندما يدرجه الشخص ضمن خططه.
فثمار الجوز املوجودة على جزيرة استوائية ليست سلعة بسبب خصائصها املادية في حد
ذاتها، بل لأنها: (أ) تخفف الشعور بالجوع، (ب) كروزو يفضل ألا يشعر بالجوع، (ج)
كروزو على وعي بالنقطة الأولى. ولو أنه كان يجهل حقيقة أن ثمار الجوز تؤكل، ملا
ً اعتبرها سلعة. إليك مثالا آخر؛ قد يكون لبعض النباتات على الجزيرة فوائد طبية، لكن
إذا لم يكن كروزو يعرفها، فهذه النباتات لن تصنَّف على أنها سلع اقتصادية.