PDA

View Full Version : (5 (الدخل والادخار والاستثمار



bahoma310
12-01-2016, 12:32
الآن بتنا نعلم أن كروزو يستطيع تقسيم عامله إلى أنواع مختلفة من الأشياء النادرة في
فئات تضم املوارد الطبيعية، والعمل، والسلع الرأسمالية، والسلع الاستهلاكية (وتشمل
وقت الفراغ). ويربط بني كل هذه العوامل الوقت، وإدراك كروزو أن أفعاله الآن قد تؤثر
على سعادته في املستقبل. بمعنى أدق، يستطيع كروزو أن يدخر ويستثمر اليوم لكي
يرفع دخله في املستقبل.
يشري «الدخل» إلى السلع (والخدمات) الاستهلاكية الجديدة التي يمكن للفرد أن
6 ويحدث «الادخار» عندما يقل استهلاك الفرد عن
يحصل عليها في غضون فترة زمنية.
َّ دخله، أما «الاستثمار» فيحدث عندما تكرس عناصر الإنتاج لتوفري دخل في املستقبل،
ً بدلا من الاستهلاك الفوري.
في الدرس العاشر سنناقش بمزيد من التفصيل العلاقة بني الدخل والادخار
والاستثمار في اقتصاد السوق املعاصر، حيث تتضمن معظم عمليات التبادل استخدام
النقود. أما الآن، فنحن نبني في عجالة أن لهذه املفاهيم املتطورة أوجه تشابه حتى في
اقتصاد كروزو.
ٍّا. وبالطبع فإن الأرقام التالية اختريت من أجل
ً من الأيسر أن نضرب مثالا عددي
التبسيط وتجسيد السيناريو بما يمكنك من التفكري في أنواع املفاضلات التي يواجهها
كروزو. لنفترض أن كروزو وجد شجرة مناسبة يتسلقها ويُسقط منها ثمرة جوز واحدة
كل ساعة بيديه العاريتني. إذا خصص كروزو ١٠ ساعات يوميٍّا للعمل، وترك الباقي
لوقت الفراغ (الذي يشمل النوم)، فهذا يعني أنه سيجني من عمله ١٠ ثمرات من الجوز
في اليوم باستخدام املوارد الطبيعية املتاحة له على الجزيرة. ولحسن الحظ، فإن تناول
١٠ ثمرات من الجوز كل يوم يوفر تغذية كافية لبقاء كروزو بصحة جيدة. لكن العمل٠ ساعات يوميٍّا دون الاستمتاع بيوم راحة ليس الأسلوب الأمثل في الحياة. وعلاوة على
ً جدول العمل الشاق هذا، يدرك كروزو جيدا أنه لو حدث وأصيب باملرض أو بالأذى
ً فمن السهل أن يلقى حتفه لأنه يكسب قوته يوما بيوم.
هناك حل لهذه املشكلة؛ فكروزو رجل منظم ومدبِّر، ويدرك أن القدرة على الادخار
والاستثمار يمكن أن تحسن مستوى معيشته إلى حد بعيد. وبعد تقييم وضعه على
الجزيرة، سرعان ما يبدأ كروزو في ادخار ٢٠ ٪من دخله عن كل يوم. أي إنه يواصل
العمل ١٠ ساعات كل يوم، ويجمع (يكسب) ١٠ ثمرات من الجوز كل يوم، لكنه لا يأكل
(يستهلك) سوى ٨ ثمرات فقط كل يوم، ويستقطع جانبًا (يدخر) ثمرتني من الثمار
التي يجنيها كل يوم.
ً إذا استمرت حياة كروزو على هذا النحو ٢٥ يوما، يكون قد جمع مخزون ٥٠
ً ثمرة. ومن هذا اليوم فصاعدا، سيواصل كروزو تناول ١٠ ثمرات في اليوم، أي إنه
يستهلك كامل ما يجنيه كل يوم. والسبب الرئيسي وراء توقف كروزو عن ادخار مزيد
من ثمار الجوز أنه اكتشف أن طعمها يبدأ في التغري بعد مرور خمسة أيام من قطفها.
ً ولذلك، بدأ نظام ً ا مريحا، فأصبح يجني كل يوم ١٠ ثمرات طازجة ويضيفها إلى جانب
من مخزونه، وطوال اليوم يتناول ١٠ ثمار قديمة من الجانب الآخر من املخزون. ومع
تعاقب هذه الدورة، يتمكن كروزو من التمتع بتناول ١٠ ثمار كاملة (لا يزال طعمها
ًجيدا إلى حد بعيد) في اليوم، وفي الوقت نفسه يدخر ٥٠ ثمرة يسحب منها حاملا اضطر
إلى ذلك. على سبيل املثال: إذا أصيب كروزو بمرض استوائي أعجزه عن العمل، فسيكون
7 وبسبب استعداده للعمل
قد ادخر ما يكفيه ملدة ١٠ أيام بنصف حصة اليوم املعتاد.
الجاد وادخار ثمار هذا العمل، عزز كروزو وضعه املادي كثريًا مقارنة بموقفه الأصلي.
ً وبدلا ً من أن يعيش على حافة املوت جوعا، بات يملك الآن مخزونًا يكفيه عشرة أيام.
مسألة ادخار السلع الاستهلاكية وتجميعها مفيدة للغاية، لكن كروزو يدرك أن
بوسعه فعل ما هو أفضل من ذلك. وبعد أن يقيِّم املواد املتاحة على الجزيرة، يقرر أن
«يستثمر» مدخراته في مشروع طويل املدى يُتوقع أن يرفع دخله اليومي في املستقبل
ً بمعدل ثابت. واعتمادا على الخمسني ثمرة التي يدخرها كروزو، فإنه يقرر أن يتوقف
عن جني املزيد من ثمار الجوز مدة يومني.
لكنه لن يستمتع براحة هو في أمس الحاجة إليها؛ بل على العكس، سيمضي كروزو
اليوم الأول — عشر ساعات كاملة — يجوب الجزيرة، ويجمع الأغصان ذات الطولوالسمك املناسبني. تمضي هذه العملية ببطء، لأن كروزو كلما رأى غصنًا مناسبًا احتاج
أن يستخدم صخرة حادة لنشر الغصن قبل أن يقتلعه بأمان من الشجرة دون أن
8 خلال هذا اليوم، يتناول كروزو ١٠ ثمرات من الجوز، فيقل مخزونه إلى ٤٠
يتلفه.
ً ثمرة. فعلى الرغم من أنه عمل طوال اليوم، فإنه لم يجن ثمارا جديدة، بل صار لديه
َّ مجموعة من الأغصان الطويلة القوية التي بدل هيئتها ونقلها من مكانها الأصلي.
وفي اليوم الثاني يمضي كروزو خمس ساعات أخرى يستخدم الصخور الحادة في
تجهيز الأغصان، ثم يمضي ساعتني في قطع أغصان الكروم ونقلها إلى املخيم. وأخريًا،
خلال الساعات الثلاث املتبقية من يوم العمل الثاني، يضع كروزو الأغصان على الأرض
ً بحيث تتداخل نهاية كل غصن تداخلا كبريًا مع بداية الغصن الذي يليه، ثم يستخدم
الكروم لربط الأغصان بإحكام بعضها مع بعض. في نهاية اليوم الثاني يتناقص مخزون
كروزو من ثمار الجوز إلى ٣٠ ثمرة. لكن بالإضافة إلى ذلك (النقص) في احتياطي
مدخرات كروزو، فهو الآن يملك سلعة رأسمالية جديدة، وهي عصا طويلة متينة.
في اليوم التالي يأخذ كروزو سلعته الرأسمالية الجديدة في جولة. وما أشد سروره
ً حينما اكتشف أن جهده — مدعوم ِّ ا بالسلعة الرأسمالية الجديدة — يمكنه من جني ٥
ثمرات في ساعة واحدة. وهذه زيادة كبرية في «إنتاجية» كروزو مما يجعله يعتقد أنه
ً كان يشق على نفسه في العمل! وبدلا من العمل ١٠ ساعات يوميٍّا في جمع الطعام، صار
يمضي ٤ ساعات فقط يجني من ورائها ٢٠ ثمرة في اليوم، أي ضعف ما كان «يكسبه»
بيديه فقط دون الاستعانة بشيء يساعده. ورغبة من كروزو في استعادة كامل مخزونه
الذي تبقى معه الثمار صالحة للأكل، فإنه يدخر جزءًا مما يجنيه على مدى عدة أسابيع
9 مرة أخرى يمتلك كروزو مخزون خمسة
حتى يصل مخزونه الاحتياطي إلى ١٠٠ ثمرة.
أيام، لكن نصيب اليوم الواحد ٢٠ ثمرة. في حالة «التوازن» الجديدة، يمضي كروزو ٤
ساعات يوميٍّا في جمع ٢٠ ثمرة جديدة يضيفها إلى مخزونه. وفي اليوم نفسه، يأكل
ً العشرين ثمرة الأقدم (الأكثر نضجا) من مخزونه.
من الواضح أن أوضاع السيد كروزو تتحسن. من قبل، كان عليه أن يمضي ١٠
ساعات من العمل الشاق كل يوم؛ فمن الصعب تسلق الأشجار طوال اليوم. لكن لقاء
كل هذه املشقة، كان كروزو يحصل على ١٠ ثمرات من الجوز كل يوم. وبعد استثماره
الحكيم في صنع سلعة رأسمالية، اكتشف أنه بحاجة إلى قضاء ٤ ساعات فقط في اليوم
في إسقاط الثمار باستخدام العصا الخشبية، وهذه مهمة أسهل بكثري من تسلق الأشجاروقطف الثمار بيديه. أيضا صار يحصل يوميٍّا على ضعف ما كان يحصل عليه من قبل،
وهو أقصى ما قد يرغب في تناوله من ثمار الجوز.
هناك نقطة واحدة مهمة لا بد من الإشارة إليها. إذا أراد كروزو الحفاظ الدائم
على مستواه املعيشي الجديد والأفضل، فلا يمكنه أن يستمتع بوقت فراغ قدره ٢٠ ساعة
ٍّا. فبالإضافة إلى قضاء ٤ ساعات في جمع ثمار الجوز، عليه أن يخصص جزءًا من
يومي
وقته النادر لصيانة عصاه الخشبية. افترض أنه بعد مرور أسبوع كامل على استخدام
العصا، بدأت الأغصان املكونة لها في الالتواء، وتآكلت نهايتاها. معنى ذلك أنه بعد اليوم
السابع من استخدام سلعته الرأسمالية الجديدة، سيحتاج كروزو لتخصيص بعض
الوقت لاستبدال الغصنني الطرفيني، وإعادة ربط العصا كلها بفروع كروم جديدة.
الآن إذا عمل كروزو مدة ٤ ساعات فقط يوميٍّا — الحد الأدنى — في جمع الجوز،
فسيستمر في هذا التراخي سبعة أيام. وفي صبيحة اليوم الثامن سيجد كروزو أن عصاه
قد صارت بلا جدوى، وسيتعني عليه قضاء (ربما) سبع ساعات من ذلك اليوم في جمع
فروع كروم وغصنني جديدين، وتجميع العصا الجديدة. علاوة على ذلك، وبالإضافة إلى
العمل ساعات طويلة، سيضطر كروزو للسحب من مخزونه، لأنه لن يتمكن من جمع
أي ثمار جديدة في ذلك اليوم.
ً بدلا من العمل وفق هذا الجدول املتقلب — سبعة أيام من العمل الخفيف مع جمع
ً الكثري من ثمار الجوز، ثم يوما من العمل الشاق دون جني أي من ثمار الجوز —
يستطيع كروزو أن يوازن الأمور. ففي اليوم العادي في ظل التوازن الجديد يمكنه قضاء
٤ ساعات في جمع ٢٠ ثمرة جوز يضيفها إلى مخزونه (مع تناول العشرين ثمرة الأكثر
ً نضج ً ا من مخزون املائة ثمرة). لكنه يستطيع أيضا قضاء ساعة خامسة كل يوم في
صيانة سلعته الاستهلاكية. وبهذه الطريقة وبعد مرور سبعة أيام، سيكون قد أمضى
الساعات السبعة اللازمة من العمل لاستعادة العصا بعد أن بُليَت من استهلاكها طوال
الأسبوع.10
وباستخدام املفاهيم الاقتصادية يمكننا أن نعاود وصف ما فعله كروزو. عندما
استهلك كروزو أقل من دخله اليومي، فإنه ادخر بعض الثمار لبناء رصيد يقيه من
الاضطرابات املفاجئة التي يمكن أن يتعرض لها دخله في املستقبل. علاوة على ذلك
استثمر كروزو موارده فيما بعد في صنع سلعة رأسمالية رفعت إنتاجية عمله بدرجة
كبرية. وبعد إتمام صنع العصا يستهلك كروز «صافي» دخله اليومي فقط، لأنه استثمر
ما يكفي من «إجمالي» دخله ليعوض «إهلاك» سلعته الرأسمالية.