PDA

View Full Version : (1 (حدود التبادل غري املباشر



bahoma310
12-01-2016, 12:54
في الدرس السادس درسنا الفوائد الهائلة للتبادل املباشر. فنظرا لاختلاف أذواق الأفراد
ً (أو تفضيلاتهم)، ونظرا لأنهم كثريًا ما يبدءون عمليات التبادل ولدى كل منهم كميات
مختلفة من سلع مختلفة، فهناك مكاسب تُجنى من وراء التبادل. يستطيع الأفراد أن
ً يتبادلوا ممتلكاتهم طواعية فيما بينهم، بحيث ينتهي التبادل بامتلاك كل منهم سلعا
أخرى يقدرها أكثر من السلع التي كان يمتلكها من قبل.
لكن على الرغم من أن التبادل املباشر يعود بالنفع على كل من يشارك فيه، فهناك
حدود لنفعه. والواقع أنه يصعب تصور عالم لا يتعامل الأفراد فيه إلا بالتبادل املباشر؛
في مقابل التبادل غري املباشر (الذي سنتناوله في الجزء التالي). لكن لكي نتعرف على
ًما لا يتعامل فيه الأفراد إلا بالتبادل املباشر.
الفارق املهم بينهما، دعونا نتخيل عالَ
تذكر أنه في التبادل املباشر لا بد أن يكون كل شخص راغبًا في استخدام الشيء الذي
ً حصل عليه من التبادل استخدام ً ا مباشرا. لذا سنستبعد أي حالة يتخلى فيها الشخص
عن شيء يمتلكه مقابل الحصول على شيء آخر ينوي التنازل عنه لشخص ثالث. وقد
تبني أن ذلك القيد صارم للغاية.
على سبيل املثال: سنفترض أن مزارعا ذهب إلى البلدة ليصلح حذاءه البالي، ويشتري
ثوبً ً ا جديدا، وأنه أحضر معه عشرات البيضات على أمل مقايضتها. لا يتعني على هذا
املزارع املسكني العثور على إسكافي ماهر يصلح له حذاءه فحسب، بل العثور على إسكافي
ً يكون في حاجة إلى البيض في هذا اليوم تحديدا. وينطبق نفس الأمر على محاولته شراء
ً ثوب جديد؛ إذ يحتاج شخصا لديه ثوب يعجبه ويكون على استعداد للتنازل عن الثوب
مقابل الحصول على البيض (وبسعر مقبول).
لكن إذا كنت تظن الوضع سيئًا مع هذا املزارع، فهو أكثر سوءًا مع الرجل الذي
يصنع عربات الخيول. فهو عندما يأخذ عربة إلى السوق، يتوقع الحصول على تشكيلة
واسعة من السلع والخدمات مقابل سلعة مرتفعة الثمن كالعربة. لكن لو كانت التعاملات
ً تقتصر على التبادل املباشر، لكان من الصعب عليه أن يجد شريكا مناسبًا لإتمام التبادل؛
إذ لن يكون عليه العثور على شخص يمتلك تشكيلة مناسبة من اللحم والبيض واللبن
والثياب وبقية املؤن التي يفضلها صانع العربة على عربته، بل يجب أن يكون هذا البائع
ً موجودا في السوق من أجل شراء عربة خيول على وجه التحديد. ما احتمالات حدوث
ذلك؟
الواقع أننا في عالم يقتصر على التبادل املباشر لن نجد صانعني لعربات الخيول،
ً وعلى الأرجح لن نجد أيضا أساكفة. لن يتمكن الأفراد من التخصص في مهن محددة، لأن
ً ذلك سيعد نوع ً ا من املخاطرة غري املحسوبة. فمثلا: أي مدرس يستطيع تعليم الأطفال
دروس الحساب والنحو مقابل الحصول على الحليب والخبز والكريوسني التي سيعطيها
إياه آباء هؤلاء الأطفال. لكن لو تصادف في إحدى السنوات أنه لم يكن هناك أي جزار
لديه أطفال في سن التعليم، فسيتعني على املدرس أن يستغني عن اللحم طوال هذه
السنة!
وهكذا نرى أنه في عالم التبادل املباشر، سيعيش الأفراد حياةً مثل حياة روبنسون
كروزو. سيكون عليهم تلبية احتياجاتهم على نحو مباشر، فيحصلون على طعامهم
ٍّ بأنفسهم، ويحيكون ملابسهم، ويبنون منازلهم وهلم جرا. وسيكون مستواهم املعيشي
ً أعلى بكثري، نظرا للمكاسب التي يحققونها من جراء التبادل فيما بينهم، لكن التخصص
وعمليات الإنتاج واسعة النطاق لن تكون ممكنة.