PDA

View Full Version : (3 (مزايا النقود



bahoma310
12-01-2016, 12:57
تعرفنا على مزايا التبادل املباشر، وعلى املزايا الأكبر للتبادل غري املباشر. لكن حتى إذا
بدأ الأفراد في قبول أشياء يخططون ملبادلتها مرة أخرى بغرض الحصول على مبتغاهم
النهائي، فلا تزال هذه العملية بطيئة ومزعجة. ولكي تدرك السبب في ذلك، تذكر املثال
الذي أوردناه عن املزارع ذي الحذاء البالي؛ فعلى الرغم من أنه نجح في النهاية في
ً الحصول على ما كان يريد، فقد كان عليه أن يتجول طويلا في البلدة ليتمكن من العثور
على الأشياء التي طلبها الإسكافي.
ً بالإضافة إلى الجهد البدني املبذول، ينبغي أيضا أن نلفت النظر إلى املجهود الذهني
الذي ستضطر الأطراف املشاركة في عمليات التبادل لبذله كي يتمكنوا من متابعة عشرات
وربما مئات من أسعار التبادل املهمة. على سبيل املثال: تعالوا نسترجع قصة املزارع
ٍ وهو يحاول أن يعثر على مشتر للبيض الذي يملكه لكي يتمكن من إعطاء الإسكافي ما
يكفي من اللحم ليصلح له حذاءه. في هذا املثال، افترضنا أن املشكلة وجدت طريقها إلى
الحل حاملا التقى املزارع بالصياد.
الواقع أنه كان يمكن للمزارع أن يتوصل إلى اتفاق أفضل. إذا كان الصياد على
استعداد لبيع ٣ سمكات مقابل ٦ بيضات، وكان الجزار على استعداد لبيع رطل من
اللحم مقابل ٣ سمكات، لأدرك املزارع أنه يمكنه تصليح حذائه مقابل التنازل عن ٦
بيضات!
لو كان هذا هو الخيار الوحيد املطروح أمام املزارع، لظن أن الأمر يستحق هذا
ٍّ السعر. لكن ماذا لو كانت البلدة كبرية جدا، وفيها العديد من التجار والحرفيني؟
سنفترض أن املزارع تمكن من العثور على خباز على استعداد للتخلي عن ٤ أرغفة مقابل
الحصول على ٥ بيضات فقط. في هذه الحالة سيقول املزارع: «حسنًا، يمكنني أن أصلح
حذائي مقابل ٥ بيضات فقط.» لاحظ أن هذا السعر أرخص من السعر الذي عرضه
الصياد بمقدار بيضة واحدة.
على الأرجح بدأ الأمر يختلط عليك بسبب كثرة التفاصيل. لكن في عالم الواقع
سيضطر الأفراد ملتابعة أسعار صرف مختلف السلع، بعضها مقابل بعض، كي يكونوا
ً قادرين على تحديد مدى نجاح الصفقات التي يعقدونها. وهكذا نرى احتمالا لأن يكون
ً التبادل غري املباشر سلاحا ذا حدين؛ فهو نعمة لأنه يسمح للعديد من الأفراد بإجراء
ً عمليات معقدة (لكنها مفيدة بإجماع الكل) لإعادة ترتيب ممتلكاتهم، لكنه نقمة أيضالأن الأفراد في هذه الحالة لا يعتمدون على تفضيلاتهم فحسب عند اتخاذ قرار بشأن
إتمام التبادل وبشأن عدد الوحدات التي سيتنازلون عنها أو يحصلون عليها من السلع.
ً فقبل التخلي عن أي شيء لا يريدونه، عليهم أن يتساءلوا أولا: «بكم يمكنني بيع هذا إذا
انتظرت مشتريًا آخر؟»
تزداد صعوبة السؤال السابق عندما يحتاج التجار التفكري في خطوتني أو ثلاث أو
أكثر لكي يتمكنوا من معرفة السعر النهائي للشيء الذي يحاولون شراءه. انظر كيف
ً تعقدت الأمور في املثال الخاص باملزارع حتى بعد أن طرحنا عدد ً ا قليلا من املتداولني
وعروضهم. من الناحية النظرية، إذا أراد املزارع التأكد من حصوله على خدمة تصليح
الحذاء لدى الإسكافي مقابل أقل سعر ممكن، فعليه أن يجوب البلدة كلها ويدون السعر
الذي سيعرضه كل فرد مقابل السلعة التي سيتنازل عنها، وبعدها سيحتاج إلى عبقري
في الرياضيات كي يساعده في حل هذه املسألة املعقدة، ويريه سلسلة (ربما تكون طويلة
جدا) من عمليات التبادل التي يمكنه من خلالها التخلي عن أقل عدد ممكن من البيض
ٍّ
مقابل الحصول في النهاية على ٦ أرطال من الزبد أو ٤ أرغفة أو رطل من اللحم (وهي
الأشياء التي أصر الإسكافي عليها قبل إصلاح الحذاء).
بالطبع لسنا في حاجة في عالم الواقع إلى املرور بهذه التجربة الذهنية الشاقة في كل
ً مرة نرغب فيها في إجراء تبادل ما. وبدلا من ذلك، فإننا نستخدم «النقود» التي يمكن
تعريفها بأنها: «وسيط تبادل مقبول على نطاق واسع.» بعبارة أخرى، النقود سلعة تقع
ً في أحد جانبي أي عملية تجارية. فبدلا من إجراء تبادل مباشر بني السلع، يبيع الأفراد
ً ممتلكاتهم أولا للحصول على النقود، ثم يستخدمون النقود لشراء كل ما يرغبون فيه.
عندما يستخدم أفراد املجتمع النقود، فهم يستفيدون بكل مزايا التبادل غري املباشر
ً ويقللون عيوبه أيض ً ا. وبدلا من معرفة عشرات أو حتى مئات من أسعار التبادل ملختلف
ِّ السلع املعروضة واملطلوبة، يمك َ ن استخدام النقود أطراف التبادل من معرفة أعلى
الأسعار وأقلها فحسب من السلع التي يرغبون في الحصول عليها.
على سبيل املثال: إذا كانت البلدة املذكورة في مثالنا تستخدم الفضة كنقود متداولة،
ففي هذه الحالة ستسهل مهمة املزارع ذي الحذاء البالي إلى حد ما. فعندما يذهب
إلى البلدة، سيبحث عن الشخص الذي سيعرض أكبر عدد من أوقيات الفضة مقابل
البيض الذي يملكه. وعندما يحصل على الفضة، سيبحث عن الشخص الذي سيصلح له
حذاءه مقابل أقل عدد من أوقيات الفضة. وما دام جميع من بالبلدة يبيعون ويشترونباستخدام الفضة، فستضمن الخطوات السابقة إصلاح حذاء املزارع (وحصوله على كل
ما يريد) مقابل أقل عدد ممكن من بيضاته. فهو لم يعد بحاجة إلى تدوين رغبات كل
شخص يقابله — إذ لن تعنيه رغبات الآخرين في شيء — كما لم يعد بحاجة لعبقري في
1
الرياضيات ليحل مسألة رياضية معقدة يصل من خلالها إلى أفضل الأسعار املمكنة.