PDA

View Full Version : (1 (تقسيم العمل والتخصص



bahoma310
12-01-2016, 13:01
في الدرس السابق علمنا أن استخدام التبادل غري املباشر يوسع نطاق عمليات التبادل
املفيدة إلى حد بعيد، لا سيما عندما ينتهي ذلك بالنتيجة املنطقية املتمثلة في استخدام
النقود. لكن الاقتصاد النقدي لا يسهل إعادة ترتيب السلع املوجودة بالفعل فحسب، بل
إن إحدى فوائده الرئيسية تشجيع «تقسيم العمل»، بما يعني أن الأفراد يتخصصون في
مهام مختلفة بغرض إنتاج السلع في املقام الأول.
ً بعبارة أخرى، افترضنا في الدرس السابق أن هناك شخص َّ ا يسم ً ى «جزارا» يقضي
وقته في إعداد اللحوم وبيعها، وآخر «إسكافي» يقضي يومه في بيع الأحذية وتصليح البالي
منها. لكننا هكذا نعكس ترتيب الأشياء، لأنه من دون التبادل غري املباشر وبخاصة
من دون استخدام النقود، تصري خيارات التبادل محدودة للغاية، حتى إن الجميع
سيُضطرون إلى تحقيق قدر كبري من الاكتفاء الذاتي. أي لو أن املجتمع يقتصر في
َّ تعاملاته على التبادل املباشر، ملا تحمل أي من أفراده أن يعمل إسكافيٍّا، إذ ربما يصاب
بالإسقربوط إذا ظل بضعة أشهر لا يصلح أحذية شخص لديه خضراوات.
رأينا من قبل أن استخدام النقود يمكننا من التغلب على هذا القيد. يمكن تنظيم
سلاسل الإنتاج والتداول بالغة التعقيد ما دام بإمكان الباعة في كل خطوة التنازل
عن بضاعتهم مقابل النقود، ثم البحث عن أقل الأسعار في دورهم كمشترين. يستطيع
ً الإسكافي شراء الخدمات والسلع من عشرات املهنيني الآخرين، على الرغم من أن بعضا
منهم قد لا يكون بحاجة لخدمات الإسكافي. الواقع أن استخدام النقود يتيح للإسكافي
أن يسدي «خدمة» إلى طرف ثالث (وليكن طبيب أسنان على سبيل املثال) الذي يسدي
بدوره «خدمة» إلى الجزار (بأن يعالج أسنانه) ثم يسدي الجزار «خدمة» هو الآخر إلى
الإسكافي (بأن يبيعه بعض اللحم). ولا يمكن حدوث «تبادل الخدمات» املتداخل هذا إلا
من خلال استخدام النقود، وهو ما يدفع الأفراد إلى «تقسيم العمل» الذي ينبغي القيام
به، ويسمح للأفراد بالتخصص في مهام بعينها.
ً وللتعرف على مدى أهمية تقسيم العمل تخيل عامل ً ا يخلو منه. فبدلا من أن
يتخصص الأفراد في مهن مختلفة، بحيث ينتجون أكثر بكثري مما يحتاجون إليه من
السلع، سنجدهم يحاولون سد احتياجاتهم بالاعتماد على أنفسهم. فكل شخص (أو كل
أسرة على الأقل) سيزرع طعامه، ويحيك ثيابه، ويصنع أثاث منزله، ويعالج الأمراض
التي قد تصيب جسمه وأسنانه ... إلخ. من الواضح أن معظم السكان في عالم كهذا
سيموتون في غضون شهر أو شهرين، أما البقية القليلة الناجية فستعيش حياة بدائية،
لا سيما بعد أن تبلى أدواتهم وتتعطل ماكيناتهم وينفد مخزونهم من الوقود.
ِل َم قد تنهار الحضارة الحديثة دون تقسيم العمل؟ الإجابة الفورية هي أن إنتاجية
ً العمالة ستنخفض انخفاض ٍّ ا حادا. تذكر أن روبنسون كروزو — في وحدته على الجزيرة
ً — كان قادرا على تحسني موقفه وعلى أن يحيا حياة يعتبرها أكثر إرضاءً من خلال
استخدام عمله في تغيري بيئته املحيطة. ورأينا أنه استطاع من خلال الادخار والاستثمار
(ليصنع عصا خشبية من أغصان الأشجار) أن يرفع إنتاجية عمله، أي استطاع زيادة
عدد ثمار الجوز التي يحصل عليها في ساعة العمل الواحدة.
لكن الادخار والاستثمار ليسا سوى طريقة لزيادة إنتاجية العمالة. وتقسيم العمل
طريقة أخرى لتحقيق ذلك، حيث يُ َّقسم العمل إلى أنواع مختلفة من املهام، ويتخصص
ً الأفراد في أداء مهمة واحدة أو بضع مهام. وبدلا من أن يضطر كل شخص إلى زراعة
طعامه، وحياكة ثيابه، وعلاج أسنانه ... إلخ، سيزرع بعض الأشخاص كل الطعام،
ويعالج البعض الآخر كل مرضى الأسنان ... إلخ. وفي مجتمعنا هناك مسميان لهاتني
املجموعتني هما: املزارعون وأطباء الأسنان.

َّقسم» على هذا النحو. يمكن للأفراد إنتاج
تزداد إنتاجية العمالة كثريًا عندما «تُ
ً منتجات أكثر عندما يتخصص كل منهم في مهمة محددة، بدلا من محاولة كل شخص
أن ينتج جزءًا صغريًا من كل عنصر في إجمالي املنتجات. فعندما يتخصص مجموعة
أشخاص في الزراعة وآخرون في علاج الأسنان، سيؤدي ذلك إلى إنتاج مزيد من الطعام
وعلاج كثري من مرضى الأسنان كل عام مقارنة بما كانت ستئول إليه الأمور دون تقسيم
العمل. عندما يكون هناك إنتاج أكثر سيتمتع الجميع بقدر أكبر من الطعام والكساء
وهكذا دواليك في ظل تقسيم العمل.