PDA

View Full Version : التخطيط المركزي ومشكلة المعرفة



bahoma310
04-13-2017, 13:12
نحن الآن نقدر مفهوم هايك لمشكلة المعرفة المتشتتة التي تُظهر مهمة التخطيط المركزي على أنها مرتبطة بعمق وتعقيد مع مشكلة المعرفة الأساسية. دعنا نضع أنفسنا في مكان المخطِّط المركزي الذي يبحث جديا وبفكر أحادي عن الطريقة المحتملة الأكثر كفاءة لتخصيص الموارد.
وكمخطِّط مركزي، فالمهمة هي صياغة خطة للمجتمع بأسلوب مشابه لذلك الذي يتبعه الفرد في التخطيط لسياق أعماله. نحن نعد خططنا الاجتماعية وفقا لبعض الأهداف الاجتماعية المحددة وفي ضوء تصور معين لمجموعات الموارد الاجتماعية المتاحة.( ) إن هذا الإطار مناسب للتخطيط المركزي لكل من التخطيط الاجتماعي الشامل والتخطيط المركزي المصمم خصيصا لتكميل أو تعديل النشاط الاقتصادي اللامركزي بدلا من إحلاله كليا. هذا التشابه بين الخطة الاجتماعية والخطة الفردية يدفعنا لأن ندرك علاقة مشكلة المعرفة الأساسية بالخطة الاجتماعية بنفس الطريقة التي وجدنا أنها خطر حتمي لا مفر منه بالنسبة للخطة الفردية. ومفهوم هايك يجعلنا ندرك بأن الخطة المركزية قد تكون معرضة للمخاطر (التي تنتج عن مشكلة المعرفة الأساسية) والتي يمكن أن يتم التهرب منها بواسطة التخطيط اللامركزي.
ومن البديهي استنتاج أن الخطة المركزية معرضة بشكل حتمي لمخاطر مشكلة المعرفة الأساسية بناء على مفهوم مشكلة المعرفة الأساسية نفسها. ونظرا لأن المخطِّط المستقل قد لا يكون مدركاً لظروفه الحقيقية وكذلك قد يكون غير مدرك بجهله، قد تفشل أفضل خططه المصاغة بشكل جيد في الحصول على الأمثل. وقد يكون القائمون على التخطيط المركزي أيضا غير مدركين بجهلهم فيما يتعلق بالظروف الحقيقية المناسبة للتخطيط الاجتماعي. ويعمِّق فهمنا للنتائج الخاصة بالمعرفة المتشتتة تقديرنا لجدية وخطورة مشكلة المعرفة الأساسية، ويكشف النقاب عن كيفية إمكانية تخطي مخاطر هذه المشكلة تماما في ظل غياب وجود الخطة المركزية.
إن إدراك حقيقة تشتت المعرفة—وخاصة فيما يتعلق بمعرفة الظروف الخاصة بالوقت والمكان (هايك، 1945: 80)—يوضح فورا فهمنا لمشكلة المعرفة الأساسية التي تهدد الأشخاص المعنيين بالتخطيط المركزي. فبالنسبة للمخطِّط المركزي، تُستمد مشكلة المعرفة الأساسية من الاحتمال بأن ما يعتقده المخطِّط بالنسبة لظروفه يمكن أن يختلف عما كان يمكن أن يعرفه لو كان أكثر يقظة أو إدراكا للبيئة الحقيقية (بدون الإنفاق الإضافي للموارد). ويعتبر الاحتمال نفسه وثيق الصلة بالنسبة للمخطِّط المركزي، ولكنه يزداد بسبب المأزق الخاص الذي يواجهه المخطِّط المركزي. إن ما يعتقده المخطِّط المركزي عن الظروف ذات العلاقة يجب أن يشابه ما يعتقده عن توفر أجزاء المعرفة المتشتتة التي يمكن حشدها، بطريقة ما ومقابل تكلفة، لصياغة وتطبيق الخطة الاجتماعية. وهناك فرصة ضئيلة لأن يعرف المخطِّط المركزي أين يجد أو يبحث عن جميع عناصر المعرفة المتشتتة المعروفة في النظام الاقتصادي. وإضافة إلى ذلك، فإنه يبدو أن هناك فرصة ضئيلة لأن يكون المخطِّط المركزي مدركا تماما لطبيعة مدى الفجوات المحددة في معرفته بهذا الخصوص. ويمكن أن يدرك بشكل عام أنه جاهل لبعض الأمور، ولكن هذا لا يُعطيه أي تلميح للمكان الذي يجب أن يبحث فيه. وفي النهاية، لا يستطيع المخطِّط استغلال كافة المعلومات المتوفرة لديه. وبشكل واضح، فإن انتشار المعلومات يعتبر مسؤولا عن بعد جديد في تطبيق مشكلة المعرفة الأساسية.
لقد ذكرنا سابقاً بأن مشكلة المعرفة الخاصة بهايك، وبالرغم من كونها شيئا جديدا، يمكن أن تندرج ضمن المشكلة الاقتصادية العامة، التي تُفهم تقليديا وفقا للإنجاز الفعال في تخصيص الموارد المتوفرة (وبشمول المعلومات المتاحة كمورد هام متوفر). ويمكن الآن أن نرى كيف أنه من غير المناسب اعتبار أنه بإمكان المخططين المركزيين أن يتفقوا مع مشكلة المعرفة الخاصة بهايك من حيث التخطيط التقليدي لتحقيق النمط الأمثل المحاط بالصعوبات بالنسبة لتخصيص الموارد. إن الجهل غير المعروف، وهو صُلب مشكلة المعرفة الناجمة عن تشتت المعلومات، يتحدى إمكانية المطابقة الصارمة لخطة التخصيص (معيار بروكرستيان). وكما أن المخطِّط الفردي غير قادر على التشبث بشكل متعمد مع مشكلة المعرفة الأساسية المحيطة بعمليات صنع القرار، كذلك الأمر بالنسبة للمخطِّط المركزي: فهو غير قادر على تنفيذ تقنيات للتخطيط ليتفق بشكل متعمد مع مشكلة المعرفة الخاصة بهايك.
الأمر الذي يجعل نقد مشكلة المعرفة الخاصة بهايك للتخطيط المركزي مدمرا هو أنه في حالة نظام إدارة السوق القائم على التخطيط اللامركزي، تُبدَّد مشكلة المعرفة غير الواضحة التي يواجهها المخططون المركزيون من خلال إجراءات الاكتشاف التنافسية لأصحاب المبادرة.