PDA

View Full Version : سياسات التشغيل



bahoma310
04-13-2017, 21:11
بدأ التفكير الجدي في بلورة سياسات التشغيل وتنظيمها والتحكم في اتجاهاتها نتيجة لتفاقم الأزمات الاقتصادية واحتداد سلبياتها على جهاز الإنتاج في العالم خاصة في الثمانينات من القرن الماضي حيث تعطلت نسبة كبيرة من طاقات العمل. وبدت البطالة وكأنها شبح مفزع يهدد الكيان الاجتماعي بأكمله ولم تعد -كما تصورها البعض قبل الحرب العالمية الأولى- ضرورة يحتمها الآداء الاقتصادي أو كمخزون من قوة العمل يساعد على إعادة التوازن الاقتصادي.

وحيال هذا الوضع أقبلت الدول في شتى أنحاء العالم خلال العشرين سنة الأخيرة على التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فضمنت مجموع سياساتها العامة خططا اعتمدتها لذلك كخطوط عريضة لتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا الإطار شاع الاعتماد على مفهوم سياسات التشغيل. وبالرغم من اختلاف طرق الاستعمال واعتبارا لخصوصيات الدول الاقتصادية منها والاجتماعية فقد ساد تعريف عام لهذا المصطلح على أنه مجموعة من التوجهات التي تتبناها الدولة من أجل تأمين :
• أكبر قدر ممكن من فرص العمل المجزية لمواطنيها من خلال الإعفاءات والحوافز والتشجيعات دون الإخلال بالسياسات الاقتصادية العامة للبلد ؛
• الملاءمة بين تأهيل الموارد البشرية وحاجيات الاقتصاد ؛
• مرونة سوق الشغل عن طريق مراجعة تشاريع العمل.

وبالتالي –وتحت ضغط البطالة- لم يعد التشغيل مجرد نتيجة للنمو الإقتصادي كما تطرحه النظريات الاقتصادية بل أصبح موضوع سياسة تضبط من خلاله وإلى حدّ بعيد :
• السياسات القطاعية عموما وقطاعات الاقتصاد الجديد على وجه الخصوص لما يوفّره من آفاق تشغيل واسعة ؛
• سياسات الاستثمار والنموّ وتوفير الحوافز اللازمة والتشريعات المناسبة ؛
• سياسات التنمية المحلية والتهيئة الترابية ؛
• سياسات الأجور والمداخيل ؛
• سياسات تنمية الموارد البشرية وتطويعها إلى حاجيات سوق العمل ؛
• قوانين وتشريعات العمل وإضفاء المرونة اللازمة عليها.

وفي هذا السياق العام، فإن تخطيط سياسات التشغيل في الوطن العربي لم تشذّ عن القاعدة حيث تطورت هذه السياسات تحت تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية محليا ودوليا.

وبالرغم من التمايزات المحكومة بالخصوصيات الوطنية ولا سيّما من حيث حجم الثروات والنموّ الديمغرافي، فإنّ المتأمل في واقع التشغيل في البلدان العربية يلاحظ بالرغم من هذا التباين قواسم مشتركة تتمثّل خاصة في تنامي البطالة وعلى وجه الخصوص بطالة الشباب وبطالة النساء، إضافة إلى التحوّلات الهيكلية لسوق العمل عرضا وطلبا.

واستنادا إلى هذه التطورات سارع العديد من الدول العربية وخاصة في البلدان كثيفة السكان ومحدودة الموارد منذ الثمانينات إلى بلورة اتجاهات جديدة أولت سياسات التشغيل قدرا كبيرا من العناية عن طريق وضع العديد من الآليات المشجعة على التشغيل في مختلف المجالات ومنها بالخصوص :
• برامج وآليات تشغيل الشباب والفئات السكانية غير المحظوظة ؛
• سياسات التنمية الجهوية (المناطقية) بالتركيز على بُعد استدامتها ؛
• برامج الاستثمار العمومي والبرامج الخاصة بالأشغال العمومية المكثّفة العمالة وخاصة في مجال البنية الأساسية ومجال الأشغال العمومية ؛
• برامج التأهيل للعمل المستقل وإقامة المشاريع وآليات تمويلها ؛
• إصلاح نظم التعليم والتدريب قصد الرفع من أدائها.

وبالرغم من هذه المجهودات المبذولة في هذه الفترة فإن سياسات التشغيل في البلدان العربية كانت محدودة النتائج بحكم الصعوبات التي اعترضتها في تطبيق برامج التعديل الهيكلي وبحكم التقلبات الاقتصادية العالمية.

وقد أدى هذا الوضع في السنوات الأخيرة إلى أرباك أسواق العمل في العديد من الأقطار العربية وتفاقمت ظاهرة البطالة بجميع أشكالها (الهيكلية والظرفية والاحتكاكية والمقنّعة). حيث أصبحت تمثّل إحد أدقّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية وأحد أكبر المشاغل لأصحاب القرار وللمجتمعات في الدول العربية.

ويقدّر مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية في تقريره الصادر سنة 2004 أن معدّل البطالة في العالم العربي يتراوح بين 15 و20 % وتتزايد سنويا بمعدل 3 %. وفي آخر تقرير لمنظمة العمل العربية (التقرير العربي الأول حول التشغيل والبطالة في الدول العربية الصادر سنة 2008) بلغت نسبة البطالة 14.6 % سنة 2006 وهي أعلى معدّل مقارنة بمختلف التجمعات الإقليمية في العالم. ويضاف إلى هذه النسبة العامة للبطالة، البطالة المقنّعة بفعل تفشّي أنواع من التشغيل كانت إلى عهد قريب غير مرغوب فيها مثل التشغيل الهامشي والتشغيل غير المعياري.

ومن المتوقع أن تتواصل الضغوطات الحالية على سوق الشغل في الوطن العربي نظرا لتزايد عدد طالبي الشغل الإضافيين في السنوات القادمة بفعل التزايد السكاني بحوالي 2.3 % سنويا في المعدل العام.

ورغم السياسات التي تعتمدها بعض الدول العربية للحد من الزيادة السكانية فمن المنتظر حسب بعض التوقّعات أن يبلغ عدد سكان الوطن العربي حوالي 360 مليونا سنة 2010.
وتشير الإسقاطات المتوفرة إلى أن عدد السكان في سنّ النشاط سيرتفع من 96 مليون ساكن من إجمالي السكان سنة 2005 إلى 146 مليونا سنة 2010 و185 مليونا سنة 2020. وسينجرّ عن هذا ضغوطات جديدة على الخدمات الاجتماعية والمرافق العمومية كالسكن والطرقات والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

وسيكون لهذا التزايد السكاني- في المجال الذي يعنينا هنا مباشرة - انعكاسات مباشرة على سوق الشغل نتيجة نموّ السكان الذين هم في سن العمل. وهو ما يتطلّب إحداث 80 مليون فرصة عمل في أفق 2010 و100 مليون في أفق 2020.

يتبين إذن من هذا التقديم الموجز لواقع التشغيل في الوطن العربي ضرورة التفكير بجدية في صياغة حلول عملية من شأنها تعظيم فرص العمل والتقليص من حدّة البطالة التي تستفزّ كرامة المواطن العربي وفق معالجات جديدة تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية وما تقتضيه من مفاهيم وسلوكيات ومقاربات مستجدة.

ومع التسليم بالمقاربة الاقتصادية بمفردات الاستثمار والنموّ وأهمية دور القطاع الخاص وجودة الموارد البشرية باعتبارها تمثّل مجتمعة المعالجة الجوهرية لمسألة التشغيل، فإنّه من الضروري أيضا في إطار سياسة التشغيل النشيطة المشار إليها تنظيم وتطوير أسواق العمل باتّجاه تحسين الوساطة بين العرض والطلب.

II. الوساطة في سوق العمل (L'intermédiation sur le marché du travail) :

1. المنطلقات المفاهيمية :

1.1 مفهوم سوق العمل :

يلاحظ في مختلف التجارب استعمال مفردتي سوق العمل وسوق التشغيل مع تحميلهما في أغلب الأحيان معنى واحدا، في حين أنهما مختلفان.
سوق العمل نظريا وبالمعنى التقليدي هي سوق ككلّ الأسواق باعتبارها قد توفّر المقومات الأساسية للسوق : العرض والطلب والسعر. وبهذه المفردات فهي تخضع ككلّ الأسواق إلى العرض والطلب وآلية التعديل بينهما هو السّعر. إلا أنّه نظرا لتطوّر الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتمثّلة خاصة في بروز ظواهر جديدة كانعدام التوازن بين عارضي العمل وطالبيه والبطالة المتنامية، تبيّن أن سوق العمل ليست كغيرها من الأسواق.

moha-star
04-13-2017, 21:24
الســــــلام علــــــــــــيــــكم و رحمــــة الله تعالى وبركـــــــاتـــه

مشكور اخي على الموضوع القيم و لمجهوداتك الرائعة والمبدعة جزاك الله خيرا بالتمني لكل الاخوة التوفيق

تحياتي