PDA

View Full Version : كيف تثقف أطفالك مالياً



Ahmed Solimann
12-20-2019, 17:02
بابا ! أريد هذا الروبوت!

- يا صغيري! الأمر ليس بهذه السهولة.

لا شك أن هذا أكثر ما تناهى إلى مسامع أطفال الجيل زد «Generation Z» (ويقصد به المواليد بين عامي ١٩٩٥-٢٠١٥). لقد كبر هذا الجيل معاصرا انهيارين اقتصاديين عالميين وشهد آباءه وهم يواجهون الأمر ويبدعون طرقا وحيلا لتجاوز الأوقات الصعبة. وبما أن الدروس القاسية هي التي تعلم، فإن هذا الجيل أدرك القيمة الحقيقية للمال والطريقة الصحيحة للتعاطي معه. تشير الاستطلاعات والإحصاءات إلى أن هذا الجيل سيكون الأكثر اجتهادا في العمل، والأكثر وعيا بالشأن المالي وقدرة على الموازنة بين النفقات والمدخرات.

مع كل هذه الإمكانات، تخيل كيف سيكون حال الأمور إذا قمت بمساعدتهم منذ نعومة أظفارهم على فهم كل ما يخص المال والطريقة الصحيحة لإدارته! المسؤولية تقع على عاتقك، ولذلك عليك أن تتحلى بالشجاعة والقوة، وتواصل التعلم من التجارب، وأن تكون مثلا يحتذى به بالنسبة لصغارك. فيما يلي، نقدم لك مجموعة نصائح تناسب كل عمر، إضافة لمجموعة من الأعراف والقوانين المالية العالمية.

الطريقة المناسبة لكل فئة عمرية
تجنبا للحيرة والضياع، نقدم لك فيما يلي دليلا تفصيليا يساعدك على مراعاة خصوصية العمر عند التعاطي مع الصغار والمراهقين وتعليمهم كيفية إدارة المال.


من ٣-٤ سنوات
تتطور الملكات الفكرية والحركية ومهارات الكلام والتواصل الاجتماعي بوتيرة سريعة في هذا العمر. تعتبر هذه الفترة الأكثر ملاءمة لتعلم مفاهيم جديدة ولكن أساسية في الوقت نفسه. لم لا تبدأ بتعريفه على مفهوم وأهمية المال! يملك طفلك احتياجات معينة مثل وجبة خفيفة لذيذة في رحلة على الطريق، أو لعبة دارجة، أو ربما دمية دبّ يبقيها بجواره ويحضنها أثناء النوم. ذات مرة، طلب مني طفلي ذو الأربعة أعوام أن أحضر له فرنا حقيقيا ليتمكن من إعداد كعكة عيد الميلاد بنفسه. يا له من طموح!

إنه وقت مناسب لتبدأ بالشرح لطفلك ما الخدمات والأشياء التي يمكنه الحصول عليها لقاء المال، والطريقة الصحيحة للقيام بذلك. لكن تذكر أن تراعي عمره بطبيعة الحال. لا تحدثه كما لو كنت من عمالقة وول ستريت، بل احرص على توضيح المفاهيم له بطريقة بسيطة ومفهومة عن طريق اللعب مثلا. يمكنك أن تعرفه على مال حقيقي كالقطع النقدية والعملات الورقية ليطور إداركا حسيا لها.

من ٥-٧ سنوات
في هذا العمر، أنت ما زلت بطله ومثاله الأعلى، ولا شك أنه يتطلع إليك في كل ما يتعلق بالشأن المالي. أصبح يعرف ماهية المال ومبدأ الدفع والأخذ، وبالتالي يمكنك أن تنتقل معه إلى المرحلة التالية بأن تشرح له كيف تكسب المال. اشرح له كيف يمكنه أن يكسب المال بدوره، ويدخر بعضا منه لشراء الأشياء التي يحبها كطفل.

ابتكر لعبة بسيطة تدور حول العمل الوظيفي وتتضمن تبادلا للمنافع والأغراض مثلا. يعتبر هذا العمر مناسبا للبدء بممارسة الأعمال المنزلية. على سبيل المثال: حدد مبلغا يحصل عليه لقاء القيام ببعض الأعمال كترتيب الغسيل أو التنظيف أو إطعام حيوانكم الأليف أو ربما إعداد وجبة خفيفة بنفسه. حاول أن تكون مبدعا لتحفّز أطفالك على اتخاذ قرارات بسيطة وتعليمهم ادخار القليل من المال ليتمكنوا من تحقيق أحلامهم.

من ٨-١٠ سنوات
عمر مناسب لتلقي أول دروس إدارة المال. التعرف على ذلك من خلال اللعب ما زال طريقة ممتازة. ربما يمكنك أن تلعب معه المونوبولي. هذا يساعده على تعلم وضع الخطط والاستراتيجيات والاستثمار والشراء والنظر إلى الصورة الكلية وغيرها من الحالات والمواقف التي تتمحور حول المال والتعاطي معه. ربما يمكنكما ادخار المال معا لتجعله يدرك أهمية الصناديق المشتركة عند التخطيط لأهداف على المدى الطويل.

اترك لأطفالك هامشا للإبداع فيما يخص أفكارهم حول كسب المال. اسمح لهم بأن يبتكروا أعمالا ويحصلوا على مبلغ محدد لقاء إنجازهم لها. داخل كل طفل قد يوجد مبدع، فاسمح له بأن يشق طريقه إلى النور. تساعدهم المبالغ التي يكسبونها على تطوير الإحساس بالاستقلالية وبالتالي المسؤولية. ناقش معهم الأشياء التي يرغبون بشرائها. إذا تبين أنهم لا يفكرون بطريقة سليمة، أرشدهم إلى الدرب الصحيح، وعلّمهم أن يستفيدوا من أخطائهم وتجاربهم.

من ١١-١٣ عام
في هذا العمر، أنت تتعامل مع جيلٍ محيّر بين الطفولة والمراهقة. يتمنون أن تعاملهم كبالغين، لكنهم في الحقيقة لا يملكون نضجا كاملا فيما يتعلق بالمسؤولية واتخاذ القرارات. ساعدهم على إدراك أهمية التمييز بين الاحتياجات والرغبات.

قوموا معا بوضع ميزانية لشراء الملابس مثلا. ضع قائمة بالأشياء الضرورية التي يحتاجونها، واسمح لهم بشراء شيء منها بأنفسهم. هذا يمنحهم شعورا بأنك تثق بهم، ناهيك عن سعادتهم باختيار ما يفضلون ارتداءه.

يمكنك أيضا في هذا العمر أن تشرح لهم ما قد يتعرض له الفرد إذا نفذ ماله. بمعنى آخر، يبدؤون بالتعرف على مفهوم الدَّين والقروض والفوائد وما شابه.

من ١٤-١٦ عام
في بيتك مراهق! مرحلة هامة من عمر أي شخص، ومليئة بالتحديات النفسية والتغيرات الجسدية على السواء. في هذا العمر، يتأثر قراره بشراء أي شيء بأصدقائه بالدرجة الأولى، أو بالمشاهير الذين يجذبون اهتمامه والعروض والمسلسات التي يتابعها، إضافة لأي ترند سائد خارج الإطار الضيق للعائلة.

احرص على التحدث معه دائما، والاستماع لآرائه وأفكاره. إذا لم تكن قادرا على تأمين أحد طلباته، اشرح له الأسباب. أوضح له أن قيمة الفرد لا تتحدد بقدراته الشرائية بل بشخصيته وأفكاره وهواياته واهتماماته. إذا بدا لك أن رغبته في الحصول على ذلك الشيء ما زالت قوية، حفّزه لإيجاد مصدر دخل أو عمل بدوام جزئي. يساعده ذلك على اختبار مشقة العمل، وإدراك قيمة المال والجهد المبذول للحصول عليه، علاوة على المتعة والشعور بالرضا عند شراء ما يريده بالمال الذي كسبه بنفسه.

هذا العمر مناسب لمناقشة مرحلة ما بعد المدرسة كالاختصاص الذي يريد دراسته في الجامعة مثلا، أو العمل الذي يرغب بممارسته مستقبلا كمهنة، أو ما شابه. ابدءا معا الادخار لتحقيق الأهداف المستقبلية. حتى لو كانت مساهمة ابنك غير كبيرة، لكنها هامة ليدرك قيمة الأهداف وضرورة العمل على تحقيقها.

من ١٧-١٨ عام
المراهق قد دخل مرحلة النضج. لم يعد مصدر الضغط من أقرانهم بل من التنافس الدراسي. حان الوقت لاتخاذ قرار مصيري في حياته، وهنا يأتي دورك بدعمه ومساندته. لا تغفل عن ابنك ولا تستخف بدوافعه ورغباته. حاول إيجاد التوازن المطلوب لمساعدته على تفادي التوتر والانفعال، والتعرف على هوايات واستكشاف فرص جديدة. وضّح له أن الدراسة الجامعية هي خطوة انتقالية نحو الحياة التي طالما حلم بها، وأن بوسعه تحقيق أي هدف يرسمه إن سعى لذلك حقا.

اقترح عليه أعمالا يمكنه القيام بها خلال عطلة الصيف، فهذا من شأنه أن يعزز الثقة داخله، ويملأ وقت فراغه بشيء مفيد، ويبدأ بكسب المال بنفسه بدلا من الاعتماد الكلي على والديه.

حدّثه عن أهمية وضع أهداف على المدى البعيد، وعن الطريقة الصحيحة لبلوغها وادخار المال لتحقيقها. وقت مناسب للحديث عن الاستثمار أيضا. شجعه على رفع سقف أحلامه والعمل الدؤوب لتحويلها إلى حقيقة.

٥ نصائح عالمية
على الرغم من أن مقاربة الشأن المالي مع الطفل تختلف حسب الفئات العمرية، فإن هناك بعض القواعد والمفاهيم العامة. احرص على أن يدركها طفلك تماما!

المال لا ينمو على الأشجار!

على الرغم من جمال الفكرة بأن تقطف ١٠٠$ مثلا عن شجرة المال في طريقك إلى المدرسة، فإن الواقع مختلف تماما. العمل الدؤوب شرط أساسي لكسب المال اللازم لشراء الاحتياجات وتحقيق الرغبات.

الاحتياجات vs الرغبات — لا بد من ترتيب الأولويات.

يجب على الطفل أن يدرك أن هناك أولويات تعرف بـ «الاحتياجات» ونذكر منها الطعام ومستلزمات المنزل ووسائط النقل وغيرها. أما «الرغبات» فهي ما يضيف المتعة إلى الحياة كالسفر والملابس الجديدة والسينما وما شابه.

حاول إعداد قائمة مصوّرة لكل من «الاحتياجات» و «الرغبات»، واشرح لطفلك ضرورة إيجاد التوازن المطلوب والعمل على تحقيق كليهما من خلال التخطيط الصحيح وادخار المال.

أنفق المال بحكمة!

يجب أن يعي الطفل مسؤولياته فيما يخص إنفاق المال، ويتعلم متى عليه أن ينفق مبلغا أكبر، ومتى يجب أن يدخر. قد يتأثر بالإعلانات والعروض على التلفاز والتي تظهر أطفالا يملكون أجهزة حديثة وباهظة الثمن، لكن الواقع بعيد كل البعد عن ذلك. علّم طفلك أهمية المقارنة بين المعدات والسلع وتحليل الأمور ومقاربتها بصورة سليمة. اشرح له مبدأ التسويق مستعينا بمجلة ما، وأطلعه على أسباب وطرق قيام الشركات بذلك لجذب المزيد من المستهلكين، وكيف يلعبون على الكلام والعواطف لجعله يعتقد بأن هذا المنتج لا غنى عنه.

ارفع سقف أحلامك، وخطط جيدا لمستقبلك.

لتدخر يجب أن تملك حلما. يفقد الادخار أية قيمة إن لم يكن بغية تحقيق هدف ما.

تحلى بالمرونة والإبداع فيما يخص مصادر كسب المال.

شجع طفلك على التفكير خارج الصندوق، فهذا لن يساعده في كسب المال فحسب، بل على اتخاذ أفضل القرارات في حياته عموما. يمكنك أن تدربه على ذلك يوميا وبمختلف الطرق كأن يقوم بإعادة تدوير بعض الأغراض غير الضرورية في المنزل على سبيل المثال لا الحصر.

أما أنت كفرد بالغ، يمكنك التعمق أكثر في الشأن المالي والتعرف على المزيد من الأعراف والقواعد المالية التي تساعدك على ضبط ميزانيتك.

عبقرية المال
أيها الأهل الأعزاء! سيكبر أطفالكم وسيكونون على ما يرام. سيسافرون، ويتحدثون لغات مختلفة، كما سيدخرون بعض المال لتحقيق أحلامكم أيضا. كونوا منفتحين مع أطفالكم فيما يخص الشأن المالي: تحدثوا عنه، عرفوهم على دوره وطريقة التعاطي معه منذ صغرهم. اسمحوا لأطفالكم بأن يحلموا، وحفزوهم على اتخاذ قراراتهم المالية بحكمة بأن تكونوا مثالا جيدا لهم. احرصوا على أن يفكروا بالمال بعقولهم، وليس بقلوبهم!