PDA

View Full Version : الأنظمة الاقتصادية العربية



Yasmin5000
02-12-2020, 02:15
تُقدَّم سياسات تحرير المبادلات وخصخصة الاقتصاد وإزالة القيود المالية كعلاج ناجع للآفات العديدة التي يعاني منها العالم العربي، باعتبار أنه من شأنها أن تؤدي الى تحويل ديمقراطي للدول والمجتمعات، وتحويل سلمي للأوضاع في المنطقة، وتحديث الاقتصادات وإدماجها في الاقتصاد العالمي. إلا أن ذلك لا يبدو متحققاً، مما يفرض بإلحاح توسيع النقاش حول التحديات الاقتصادية والمجتمعية التي تواجه هذه المنطقة من العالم، وتعميقه..
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تُطرح بإلحاح قضية "إصلاح الأنظمة الاقتصادية العربية". والسبب في ذلك واضح تماماً، فلقد بلغت نسبة البطالة 10 في المئة عام 2017 مقابل معدل عالمي بمستوى 5,5 في المئة، علماً أن هذه النسبة متفاوتة حسب البلدان، فهي تبلغ 12,1 في المئة في مصر و14,9 في المئة في الأردن و15,4 في المئة في تونس. كما تبلغ البطالة في صفوف الشباب 26,1 في المئة ولدى النساء 18,9 في المئة، وذلك في منطقة يمثل فيها أساساً معدل المشاركة بسوق العمل، أي نسبة العاملين ممن هم في سن العمل، أدنى نسبة في العالم (48,6 في المئة حسب البنك الدولي). كما أن نسبة الهجرة في صفوف حملة شهادات التعليم العالي هي من أعلى النسب في العالم، ونسبة البطالة في صفوف هؤلاء قد بلغت 30 في المئة في مصر وتونس والأردن عامي 2011 و2012
من ناحية أخرى تستورد البلدان العربية أكثر من 50 في المئة من استهلاكها من القمح
كما تمثل أكبر مستورد صافٍ للسلع الغذائية في العالم (حسب البنك الدولي). هذه التبعية الشديدة حيال الأسواق الدولية جعلت المنطقة رهينة التقلبات السريعة لأسعار المنتجات الزراعية. فلقد أدت الأزمة العالمية عامي 2007-2008 وارتفاع أسعار الحبوب الأساسية (الأرز والقمح) وقتها، الى مزيد من التضخم المالي والعجز التجاري وفاقمت الفقر وتسببت بالعديد من الاحتجاجات في عددٍ من البلدان العربية (اليمن، مصر، المغرب). هذه التبعية التي عرّضتها للهشاشة سوف تستفحل من سيء الى أسوأ في السنوات القادمة بسبب النمو السكاني والإنتاجية الضعيفة وندرة المياه.

هناك مؤشر مقلق آخر. 11 بلداً من هذه البلدان مثقلة بديون فاقت نسبة 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لديها عام 2017. من ضمنها الأردن (96,6 في المئة) ومصر (101 في المئة) ولبنان (149 في المئة). ولقد بلغت خدمة الدين في بعضها نسبة 40 في المئة من نفقات الميزانية. فبين عامي 2012 و2016، استفاد عدد لا يستهان به منها من قروض صندوق النقد الدولي (المغرب، تونس، مصر، الأردن، العراق، اليمن..). بالمقابل يتعين
على الحكومات إجراء تقييم دوري مرتين أو ثلاث في السنة وذلك مع خبراء الصندوق لتحديد مدى التزامها بالحد من العجز في الميزانية، وتحرير سعر صرف العملة الوطنية والحد من الدعم المقدم لبعض السلع. والخدمات وإلغاء عدد من الوظائف العمومية.

وتسعى الأدبيات الاقتصادية المتداولة الى تفسير أوجه القصور في الاقتصادات العربية بهيمنة الهياكل المعتمدة على الريع وضعف النسيج الإنتاجي. حيث أن العالم العربي يملك 42 في المئة من احتياطي النفط في العالم و 29 في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي، حسب أرقام 2016. ويضاف الى المدخول الناتج عن بيع النفط والغاز أنواع أخرى من الريع المتأتية من رسوم العبور في طرق التجارة الدولية، وتحويلات المهاجرين العاملين في الخارج وكذلك المساعدات والقروض الأجنبية، التي تزداد بشكل ملحوظ نظراً لموقع المنطقة الاستراتيجي الفريد من نوعه في العالم.
يساعد هذا الوضع على إحلال أنظمة سياسية تسلطية يغيب عنها الحس بالمسؤولية. فهي تستخدم الريع لإبقاء سيطرتها على اقتصاديات معتلّة الفعالية بسبب الفساد والمحسوبيات ومحاباة المقرّبين، واستغلال الأموال العامة بغير حق. إلا أن الإطار المسيطر منذ ثمانينات القرن الماضي في الفكر الساعي لإصلاح هذه الأنظمة الاقتصادية هو فكر "توافق واشنطن"، أي حزمة من التدابير الهادفة لتشجيع قيام اقتصاديات السوق الحرة، التي تحظى بمباركة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدد متزايد من الحكومات عبر العالم.

وتُقدَّم سياسات تحرير المبادلات وخصخصة الاقتصاد وإزالة القيود المالية على أنها علاج ناجع للآفات العديدة التي يعاني منها العالم العربي. فالإصلاحات الجارية من شأنها أن تؤدي الى تحويل ديمقراطي للدول والمجتمعات، وتحويل سلمي للأوضاع في المنطقة، وتحديث الاقتصادات وإدماجها في الاقتصاد العالمي. إلا أن الهدف المنشود ما زال على ما يبدو بعيد المنال، مما يفرض بإلحاح ضرورة توسيع النقاش وتعميقه حول التحديات الاقتصادية والمجتمعية التي تواجه هذه المنطقة من العالم. وهو الأمر الذي يستوجب تناول آفاق جديدة بعين الاعتبار ومضاعفة المساحات المخصصة لهذا النقاش.