hasback
03-18-2014, 15:31
ان الأحداث في تونس، والتي أطاحت بالرئيس التونسي، بسبب البطالة والفقر والحكم بالقوة والتصادم مع معتقدات المجتمع تشير إلى الدور الخطير الذي تلعبه هذه المتغيرات في استقرار الدول, والحاجة الماسة ليصبح تعظيم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي هو الهدف الأساسي للحكومة. لكن التركيبة الاحتكارية للسلطة التي تتمتع بها بعض الأحزاب في دول المنطقة يجعل ذلك صعبا لتأثيره في مصالح الحزب الحاكم وأهواء أتباعه. فالسلطة الاحتكارية وعدم المشاركة الشعبية يقودان إلى استغلال السلطة لصالح الطبقة الحاكمة والاستمتاع بالصلاحيات على حساب حاجات المجتمع الأساسية ورفاهيته, سواء بحسن نية أو بسوئها. وفي هذا الوضع الاحتكاري للسلطة والنظرة الفرعونية للأمور، قال تعالى: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) قالها فرعون ـــ لعنه الله ــــ لقومه. ولذا تتغير الأولويات وتصبح السلطة مصدرا للثراء والنهب واستغلال خيرات الشعوب لصالح الطبقة الحاكمة بدلا من خدمة الشعوب والعمل لتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية. إن استخدام القوة في مصادرة حقوق المجتمع الأساسية وحرية الاختيار أدت إلى استقرار وقتي في هذه الدول يبطن في داخله انفجارا بركانيا. تونس كانت نموذجا للاستقرار الظاهري ومصادرة رغبة الشعب في تحقيق ذاته أو حتى ممارسة الشعائر التعبدية التي يؤمن بها أفراد الشعب، وقد كانت مثالا يحتذى ويتم تصديره للمنطقة.البطالة والفقر قنابل موقوتة تزعزع استقرار المجتمع عندما تتجاهلها النخب الحاكمة وتصادر إرادة الشعوب وتركز على استقرار السلطة للنخب الحاكمة متجاهلة الحاجات الأساسية للتنمية المستدامة. فالحكومة إما أن تعظم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع أو أن تعظم أمن الحزب الحاكم ومتطلبات أفراده. وفي حالة تعظيم السلطة للمنافع الخاصة بالحزب، يصبح الهم الأمني للسلطة هو الهم الأول والذي تركز عليه لاستتباب الأمن والاستقرار للسلطة والاستفراد بالقرار بعيدا عن تطلعات الشعوب لتحقيق أكبر فائدة للحزب الحاكم. وتعتبر أن أمن الحزب الحاكم هو أمن البلد والتطاول على أفراده هو تطاول على البلد كله، ويتم اختزال البلد في الحكم. لذا يتم قياس وتقييم جميع المتغيرات والأنظمة والقوانين من منظار الوضع الأمني للسلطة الحاكمة وإن تعارض مع الاحتياجات الاقتصادية للبلد. مما يجعل الأنظمة والقوانين لا تشجع على الاستثمار والحس الأمني هو المقياس لجميع المتغيرات، بل بعض الدول تحارب الاستثمار إن لم يخدم النخبة الحاكمة وأفرادها وأتباعهم. الوضع الاحتكاري الذي تتمتع به السلطة الحاكمة وتوجيهه لخدمتها وخدمة الحزب الحاكم يشكل خللا جوهريا في التركيبة المؤسساتية في البلد ولا يساعد على تحقيق التنمية المستدامة وإن أدى ذلك إلى استقرار وقتي في البلد في الأجل القصير. والنتيجة الحتمية لذلك نمو اقتصادي أقل من إمكانيات المجتمع وانخفاض في الدخل وبطالة عالية تقود إلى قلاقل وعدم استقرار سياسي في الأجل الطويل. بينما في حالة أن تستهدف الحكومة تعظيم الرفاه الاقتصادي للمواطن، فإن جميع الأنظمة والتشريعات وجهود الأجهزة الحكومية يدرس أثرها في الرفاه الاقتصادي وتتم الموافقة من عدمها بناء على دورها في خدمة أفراد المجتمع وإن انتقص من صلاحيات الطبقة الحاكمة. والنتيجة الحتمية لمثل ذلك بيئة استثمارية جاذبة وإنتاجية عالية لأفراد المجتمع وتحقيق تنمية مستدامة تنعكس في تحقيق التوظيف الكامل ونمو الدخل الفردي وتحسن مستوى المعيشة لأفراد الشعب. إن أهم محددات النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الأجل الطويل هو البناء المؤسسي السليم والأنظمة والقوانين التي تأخذ في الاعتبار آثارها في الرفاه الاقتصادي للمواطن، ليصبح هو المحور الأساسي الحقيقي وليس الادعاء المستهلك لأفراد المجتمع بأنهم محور التنمية. فالنمو الذي تحقق للنمور الآسيوية بسبب الأنظمة والقوانين والاستثمار في رأس المال البشري (راجع مقالة في جريدة “الاقتصادية” عن الفقر والبطالة.. والاستثمار في رأس المال البشري بتاريخ 2/12/1431هـ) مع فقر هذه الدول في الموارد الطبيعية ماعدا البشر الذين هم محور التنمية الحقيقية في تلك الدول.واقتصاد دول الشرق الأوسط يعاني من تعظيم السلطة على حساب الاقتصاد، حيث أثبتت الدراسات الاقتصادية والتقارير من المنظمات الدولية (انظر على سبيل المثال تقرير صندوق النقد الدولي 2010), إن دول المنطقة تحقق نموا أقل من إمكانيات المجتمع وتبادلا تجاريا أضعف والذي من أهم سبابه ضعف أداء المؤسسات الحكومية والبيروقراطية العالية والفساد المستشري في الأجهزة الحكومية. إن انخفاض مستوى التنمية في دول المنطقة ليس بسبب ضعف إمكانياتها الاقتصادية بل بسبب السلطة الحاكمة التي جعلت الأولويات الأمنية تطغى على الحاجات الاقتصادية. فمنطقة الشرق الأوسط الأقل نموا على مستوى العالم ما عدا إفريقيا التي استطاعت المنطقة أن تتفوق عليها في النمو!! وذلك على الرغم من توافر الإمكانيات الاقتصادية والبشرية والجغرافية لتحقق أعلى معدلات النمو في حالة أن يصبح الهم الاقتصادي هو الهم الأول للحكومة ولو أدى إلى التضحية بجزء من السلطة الدكتاتورية التي تمارسها بعض هذه الدول حتى على عقيدة المجتمع ومصادرة حقوق أفراد المجتمع وفرض إرادة النخب الحاكمة بالقوة على المجتمع,