alihmila
04-25-2014, 10:45
بعد مرور قرابة العامين منذ بداية الصحوة العربية، لا يزال مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير واضح على وجه الدقة. فمازالت الديموقراطيات الناشئة فى المنطقة تتلمس طريقها، كما تتسبب موجات العنف المتجددة في زيادة التحديات التي تواجه المنطقة.
وبالنسبة لي، أرى أنه من المفيد في رؤية المشهد الراهن أن ننظر إلى ثلاثة مسارات يمكن أن تتخذ المنطقة واحداً منها، فيما يتعلق بمستقبلها الاقتصادي:
• التدهور الاقتصادي، إذا ما أدى التكالب على السلطة السياسية إلى الحيلولة دون تحقيق الاستقرار، ناهيك عن الإصلاح؛
• الاستقرار، إذا ما أعيد التأكيد على المصالح المكتسبة في عالم الأعمال، سوف تتاح فترة زمنية خالية من التدهور الاقتصادي، ولكنها كفيلة بإعادة المنطقة إلى الكساد الاقتصادي أو النمو الضعيف على أفضل تقدير؛
• أو ظهور اقتصاد جديد، حيث تبدأ الحكومات المنتخبة حديثاً في تلمُّس طريقها بالتدريج للقضاء على الاضطرابات الاقتصادية والاضطلاع بالإصلاحات اللازمة لإتاحة فرصة اقتصادية أكبر لشعوبها.
ورغم أن المسارين الأولين غير مرغوبين بالتأكيد، فإن احتمال حدوثهما يظل قائماً. ولا شك أن المسار الثالث، مسار التحول، سيكون هو الأفضل.
ومما لا شك فيه أن بلدان التحول العربي سوف يرسم كل منها مساره الخاص. ولكنني أؤمن تماماً أن للمجتمع الدولي دوراً في مساعدتها على تلافي النتائج السلبية. واسمحوا لي أن استعرض معكم بعض الأفكار حول الطريقة التي يمكننا بها تقديم الدعم اللازم لتلك البلدان.
الحاجة إلى تغيير اقتصادي
خلال زيارتى لتونس منتصف هذا الشهر، أوضح لي الرئيس التونسى، السيد منصف المرزوقى، ودولة رئيس الوزراء التونسي، السيد حمادي جبالي، التحديات العديدة التي تواجه بلديهما. ففي هذا البلد بدأت الصحوة العربية منذ حوالي العامين مع الشرارة التي أطلقها بائع متجول من بلدة ريفية تونسية حين ضحى بحياته في ديسمبر 2010. وفي الشهر التالي، انطلق في مصر نداء “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” وترددت أصداؤه في معظم أنحاء العالم العربي وأثار اهتمام المراقبين في كل مكان.
وخلال الزيارة قال لى الرئيس التونسى: “إن العالم العربى بأسره يشاهد ما يحدث فى تونس. يجب أن ننجح، ليس لنا فحسب بل للآخرين كذلك.”
ولم يكن نطاق التغيير المطلوب في الشرق الأوسط سياسياً فقط، بل امتد إلى عمق الشأن الاقتصادي. فقد طالب المواطنون بأن يكون لهم رأي في كيفية حكم بلادهم والحصول على فرص أكبر للوصول إلى الرخاء وتحقيق طموحاتهم الإنسانية.
وإذا كانت هناك حقيقة أرى أنها تلخص كل مشكلات المنطقة فهي أن الصادرات غير النفطية في المنطقة بأكملها تبلغ قيمتها 365 مليار دولار، أي أنها تعادل تقريباً صادرات بلجيكا، ذلك البلد الذي يبلغ تعداد سكانه أحد عشر مليون نسمة، وليس 400 مليون نسمة – هو تعداد سكان العالم العربي.
وهذا مؤشر حاسم لطبيعة وحجم المشاكل الهيكلية التي تواجه بلدان التحول العربي. فإذا لم تستطيع أن تصدر إلى العالم الخارجى، فإنك سوف تظل واقفاً مكانك تخدم فقط سوقاً محلية محدودة. وكما رأينا، فإن بلدان المنطقة لا تزال غير قادرة على توفير فرص عمل كافية لتوظيف أعداد السكان المتزايدة.
إن الاحصائية السابق ذكرها تجسد المشكلة، ولكن الطريف أنها تضيء الطريق إلى المستقبل أيضاً.
ما الذي ينبغي أن تفعله بلدان التحول؟
حتى يتحقق النمو القابل للاستمرار على نطاق واسع، ينبغي أن تنتقل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الاستثمار الذي تسيطر عليه الدولة إلى الاستثمار الخاص ومن الصناعات المحمية والسعي للكسب الريعي إلى النمو القائم على التصدير وخلق القيمة المضافة. فهذا هو المصدر الذي ستأتي منه فرص العمل.
ولإطلاق إمكانات النمو الهائلة في المنطقة، يجب أن يصبح القطاع الخاص المصدر الرئيسي للنمو، ولن يحدث هذا إلا إذا كان يستطيع النفاذ إلى الأسواق العالمية، وليس فقط إلى أسواقه المحلية.
ومن ثم فإن الوقت قد حان لحوار بناء مع قادة السياسة والفكر بشأن مستقبل بلادهم الاقتصادي، وهو حوار قد يؤدي إلى خارطة طريق واستراتيجية للتحول تتوجه من خلالها طاقات الشعوب نحو هدف مشترك.
ويجب أن تكون عملية تحديد جدول أعمال الإصلاح في كل بلد من بلدان المنطقة قائمة على المشاركة بحق، كما يجب أن تستفيد من وجهات نظر كل الأطراف المعنية. فلا يمكن فرض خطط الإصلاح، مهما كانت سليمة من الناحية الفنية، دون فهم وقبول واسع من الرأى العام.
وعلى الرغم من انهمار الأمطار أثناء زيارتي القصيرة إلى تونس، لم يكن من الصعب الشعور بالتفاؤل بفضل الطبيعة الديناميكية الواضحة في هذا البلد. والسيد جبالي ذاته هو رمز للبداية الجديدة: فقد أمضى في السجن 15 عاماً أثناء حكم النظام السابق، منها 10 أعوام في الحبس الانفرادي. لكنه الآن عازم على إعادة بناء بلده.
كذلك تتيح تركيا مثالاً ملهِماً لبلد إسلامي اختار مسار الإصلاح الاقتصادي الجوهري وأصبح اقتصاداً صاعداً نابضاً بالحيوية لديه طبقة متوسطة قوية ومتنامية.
كيف يمكن للمجتمع الدولي تقديم المساعدة؟
حين ننظر في التكاليف المحتملة للمسارين غير المرغوبين اللذين أشرت إليهما سابقاً، والمزايا التي يعود بها المسار الثالث ليس على المنطقة فحسب بل على الاقتصاد والأمن العالميين أيضاً، يصبح من الواضح أن جهود المجتمع الدولي يجب أن تتضافر لتوفير ما يكفي من التمويل وفرص التجارة والمشورة بشأن السياسات.
ونحن من جانبنا في صندوق النقد الدولى نحاول أن نكون على مستوى التحدي الراهن. ففي العام الماضي وحده، قدمنا قروضاً مجموعها 8.5 مليار دولار للأردن والمغرب واليمن. وقد توصلنا مؤخراً إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع الحكومة المصرية بشأن تقديم الدعم المالى. كما نساعد تونس من خلال المشورة بشأن السياسات والمساعدات الفنية، وسنظل مستعدين لتقديم التمويل اللازم إذا لزم الأمر. وكما هو الحال مع البلدان الأخرى فى العالم، فإننا نقدم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية إلى كافة بلدان المنطقة، بما فيها ليبيا.
ولكن الصندوق يجب أن يركز على مهمته الأساسية وهى تحقيق الاستقرار الاقتصادى. غير أن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج لأكثر من ذلك، إذا أريد لها التحول الاقتصادى. لذلك، سيكون من المهم أن يقوم المجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان الأعضاء في مجموعة الثمانية، والشركاء الإقليميين مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وبنوك التنمية الدولية والإقليمية، بتقديم الدعم الكافي لتحقيق الاستقرار وبناء القدرات.
وينبغي أن يدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة آفاق فتح الأسواق بشكل أوسع أمام التجارة في السلع والخدمات من البلدان العربية الراغبة في تحقيق تحولات جوهرية.
ويمكن أن يساعد الاستثمار، بما يرتبط به من دعم وتعزيزات من الشركاء الثنائيين والإقليميين، في إعطاء الدفعة الأولى للنمو. أما الخبرة الفنية القيمة، المقترنة بالاستثمار في القطاع الخاص من جانب البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وغيره من المؤسسات المالية، فيمكن أن تقود المسيرة بحيث ترشد المستثمرين إلى دخول قطاعات وأسواق جديدة، مثلما حدث في أوروبا الشرقية والوسطى.
هذه الاستثمارات لن تحفز التحول الاقتصادي فحسب، بل إنها ستخدم مصالح المجتمع الدولي الاقتصادية والأمنية.
إن الشئ الواضح بالنسبة لى هو أن المنطقة تستحق منا الدعم الآن.
وبالنسبة لي، أرى أنه من المفيد في رؤية المشهد الراهن أن ننظر إلى ثلاثة مسارات يمكن أن تتخذ المنطقة واحداً منها، فيما يتعلق بمستقبلها الاقتصادي:
• التدهور الاقتصادي، إذا ما أدى التكالب على السلطة السياسية إلى الحيلولة دون تحقيق الاستقرار، ناهيك عن الإصلاح؛
• الاستقرار، إذا ما أعيد التأكيد على المصالح المكتسبة في عالم الأعمال، سوف تتاح فترة زمنية خالية من التدهور الاقتصادي، ولكنها كفيلة بإعادة المنطقة إلى الكساد الاقتصادي أو النمو الضعيف على أفضل تقدير؛
• أو ظهور اقتصاد جديد، حيث تبدأ الحكومات المنتخبة حديثاً في تلمُّس طريقها بالتدريج للقضاء على الاضطرابات الاقتصادية والاضطلاع بالإصلاحات اللازمة لإتاحة فرصة اقتصادية أكبر لشعوبها.
ورغم أن المسارين الأولين غير مرغوبين بالتأكيد، فإن احتمال حدوثهما يظل قائماً. ولا شك أن المسار الثالث، مسار التحول، سيكون هو الأفضل.
ومما لا شك فيه أن بلدان التحول العربي سوف يرسم كل منها مساره الخاص. ولكنني أؤمن تماماً أن للمجتمع الدولي دوراً في مساعدتها على تلافي النتائج السلبية. واسمحوا لي أن استعرض معكم بعض الأفكار حول الطريقة التي يمكننا بها تقديم الدعم اللازم لتلك البلدان.
الحاجة إلى تغيير اقتصادي
خلال زيارتى لتونس منتصف هذا الشهر، أوضح لي الرئيس التونسى، السيد منصف المرزوقى، ودولة رئيس الوزراء التونسي، السيد حمادي جبالي، التحديات العديدة التي تواجه بلديهما. ففي هذا البلد بدأت الصحوة العربية منذ حوالي العامين مع الشرارة التي أطلقها بائع متجول من بلدة ريفية تونسية حين ضحى بحياته في ديسمبر 2010. وفي الشهر التالي، انطلق في مصر نداء “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” وترددت أصداؤه في معظم أنحاء العالم العربي وأثار اهتمام المراقبين في كل مكان.
وخلال الزيارة قال لى الرئيس التونسى: “إن العالم العربى بأسره يشاهد ما يحدث فى تونس. يجب أن ننجح، ليس لنا فحسب بل للآخرين كذلك.”
ولم يكن نطاق التغيير المطلوب في الشرق الأوسط سياسياً فقط، بل امتد إلى عمق الشأن الاقتصادي. فقد طالب المواطنون بأن يكون لهم رأي في كيفية حكم بلادهم والحصول على فرص أكبر للوصول إلى الرخاء وتحقيق طموحاتهم الإنسانية.
وإذا كانت هناك حقيقة أرى أنها تلخص كل مشكلات المنطقة فهي أن الصادرات غير النفطية في المنطقة بأكملها تبلغ قيمتها 365 مليار دولار، أي أنها تعادل تقريباً صادرات بلجيكا، ذلك البلد الذي يبلغ تعداد سكانه أحد عشر مليون نسمة، وليس 400 مليون نسمة – هو تعداد سكان العالم العربي.
وهذا مؤشر حاسم لطبيعة وحجم المشاكل الهيكلية التي تواجه بلدان التحول العربي. فإذا لم تستطيع أن تصدر إلى العالم الخارجى، فإنك سوف تظل واقفاً مكانك تخدم فقط سوقاً محلية محدودة. وكما رأينا، فإن بلدان المنطقة لا تزال غير قادرة على توفير فرص عمل كافية لتوظيف أعداد السكان المتزايدة.
إن الاحصائية السابق ذكرها تجسد المشكلة، ولكن الطريف أنها تضيء الطريق إلى المستقبل أيضاً.
ما الذي ينبغي أن تفعله بلدان التحول؟
حتى يتحقق النمو القابل للاستمرار على نطاق واسع، ينبغي أن تنتقل بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الاستثمار الذي تسيطر عليه الدولة إلى الاستثمار الخاص ومن الصناعات المحمية والسعي للكسب الريعي إلى النمو القائم على التصدير وخلق القيمة المضافة. فهذا هو المصدر الذي ستأتي منه فرص العمل.
ولإطلاق إمكانات النمو الهائلة في المنطقة، يجب أن يصبح القطاع الخاص المصدر الرئيسي للنمو، ولن يحدث هذا إلا إذا كان يستطيع النفاذ إلى الأسواق العالمية، وليس فقط إلى أسواقه المحلية.
ومن ثم فإن الوقت قد حان لحوار بناء مع قادة السياسة والفكر بشأن مستقبل بلادهم الاقتصادي، وهو حوار قد يؤدي إلى خارطة طريق واستراتيجية للتحول تتوجه من خلالها طاقات الشعوب نحو هدف مشترك.
ويجب أن تكون عملية تحديد جدول أعمال الإصلاح في كل بلد من بلدان المنطقة قائمة على المشاركة بحق، كما يجب أن تستفيد من وجهات نظر كل الأطراف المعنية. فلا يمكن فرض خطط الإصلاح، مهما كانت سليمة من الناحية الفنية، دون فهم وقبول واسع من الرأى العام.
وعلى الرغم من انهمار الأمطار أثناء زيارتي القصيرة إلى تونس، لم يكن من الصعب الشعور بالتفاؤل بفضل الطبيعة الديناميكية الواضحة في هذا البلد. والسيد جبالي ذاته هو رمز للبداية الجديدة: فقد أمضى في السجن 15 عاماً أثناء حكم النظام السابق، منها 10 أعوام في الحبس الانفرادي. لكنه الآن عازم على إعادة بناء بلده.
كذلك تتيح تركيا مثالاً ملهِماً لبلد إسلامي اختار مسار الإصلاح الاقتصادي الجوهري وأصبح اقتصاداً صاعداً نابضاً بالحيوية لديه طبقة متوسطة قوية ومتنامية.
كيف يمكن للمجتمع الدولي تقديم المساعدة؟
حين ننظر في التكاليف المحتملة للمسارين غير المرغوبين اللذين أشرت إليهما سابقاً، والمزايا التي يعود بها المسار الثالث ليس على المنطقة فحسب بل على الاقتصاد والأمن العالميين أيضاً، يصبح من الواضح أن جهود المجتمع الدولي يجب أن تتضافر لتوفير ما يكفي من التمويل وفرص التجارة والمشورة بشأن السياسات.
ونحن من جانبنا في صندوق النقد الدولى نحاول أن نكون على مستوى التحدي الراهن. ففي العام الماضي وحده، قدمنا قروضاً مجموعها 8.5 مليار دولار للأردن والمغرب واليمن. وقد توصلنا مؤخراً إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع الحكومة المصرية بشأن تقديم الدعم المالى. كما نساعد تونس من خلال المشورة بشأن السياسات والمساعدات الفنية، وسنظل مستعدين لتقديم التمويل اللازم إذا لزم الأمر. وكما هو الحال مع البلدان الأخرى فى العالم، فإننا نقدم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية إلى كافة بلدان المنطقة، بما فيها ليبيا.
ولكن الصندوق يجب أن يركز على مهمته الأساسية وهى تحقيق الاستقرار الاقتصادى. غير أن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج لأكثر من ذلك، إذا أريد لها التحول الاقتصادى. لذلك، سيكون من المهم أن يقوم المجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان الأعضاء في مجموعة الثمانية، والشركاء الإقليميين مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وبنوك التنمية الدولية والإقليمية، بتقديم الدعم الكافي لتحقيق الاستقرار وبناء القدرات.
وينبغي أن يدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة آفاق فتح الأسواق بشكل أوسع أمام التجارة في السلع والخدمات من البلدان العربية الراغبة في تحقيق تحولات جوهرية.
ويمكن أن يساعد الاستثمار، بما يرتبط به من دعم وتعزيزات من الشركاء الثنائيين والإقليميين، في إعطاء الدفعة الأولى للنمو. أما الخبرة الفنية القيمة، المقترنة بالاستثمار في القطاع الخاص من جانب البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وغيره من المؤسسات المالية، فيمكن أن تقود المسيرة بحيث ترشد المستثمرين إلى دخول قطاعات وأسواق جديدة، مثلما حدث في أوروبا الشرقية والوسطى.
هذه الاستثمارات لن تحفز التحول الاقتصادي فحسب، بل إنها ستخدم مصالح المجتمع الدولي الاقتصادية والأمنية.
إن الشئ الواضح بالنسبة لى هو أن المنطقة تستحق منا الدعم الآن.