المتأمل في حياة الفيلسوف ديدرو، يرى أنه بدأ حياته مؤمنا متديناً، متحمساً، ورعاً، زاهداً، متقشفا، أختار الرهبنة ورفض رغد العيش، رغم ثراء والده، فقد كان يلبس الشَعر، وينام على القشْ كصوفي عاشق ذاب وجده في حب الإله. أراد الهرب من بيت والده بتشجيع من بعض معلميه الدينيين، للالتحاق بكلية الجوزيت اليسوعية، ولكن الأب أقفل الأبواب في وجهه وأرسله إلى كلية أخرى، ومن ثم إلى جامعة في باريس، فأخذ يتنقل من مجال إلى آخر، بين الرياضيات والأدب، واللغات دون هدف محدد في ذهنه كما يقول إلبرتو مانغويل، ولما أمره والده بالعودة إلى الديار، رفض ذلك وتمرد على أوامره، ولما قطع عنه المصروف، أخذ يعمل في التدريس والصحافة، حتى أخذ في جمع الإنسكلوبيديا والتي أغضبت رجال الدين، فكانت الشرارة الأولى للدخول في خصومة شرسة معهم، حيث لم تكن الموسوعة مستفزة في حد ذاتها، وإنما ما تضمنته من مناقشة حول "الكالفاينية" حيث اعُتبر عمله سلوكا ينم عن عدم احترام، فطالب رجال الدين الملك لويس الخامس عشر بتحريم وحظر هذه الموسوعة، بعد أن سقطت بنت الملك في مرض عضال، وعجز الأطباء عن معالجتها، وأن هذا المنع والحظر سيكون بمثابة رضا الله عنه، وسيشفي ابنته، وبالفعل تم حظر هذه الموسوعة بأمر ملكي! هذا الفعل أدى إلى ردت فعل عنيفة من قبل ديدرو، فأخذ بتسديد ديونه إلى أن يكره معلميه ورجال الدين، ويعلن بغضه للدين والآلهة. فإلحاده لم يقم على براهين عقلية موضوعية، وإنما قام على سلوك عاطفي نتيجة البغض المتبادل بينه وبين رجال الدين.
