يصعب أن ينكر أحد اليوم أننا نمر بأوقات ازدهار للعملات المشفرة، فعملة "بيتكوين" أو العملة الذهبية هي حديث الساعة الآن سواء ارتفعت قيمتها وتجاوزت العشرة آلاف دولار أو انخفضت وخسرت 20 في المائة من سعرها في غضون ساعات. وفي خضم هذا التركيز الإعلامي المفرط على "بيتكوين" باعتبارها سيدة العملات الافتراضية، تجاهل الإعلام بل وكثير من المختصين العملات المشفرة الأخرى، بحيث ساد اعتقاد لدى كثير من غير المختصين، بأن "بيتكوين" هي العملة المشفرة الوحيدة وغيرها سراب.
"الإيثريوم" على سبيل المثال تعد واحدة من العملات المشفرة، وقد طرحت للتداول في آب (أغسطس) عام 2015، وتفوقت في المنافسة مع "بيتكوين"، فقد حققت معدل زيادة منذ بداية العام حتى الآن، بلغ 5000 في المائة لتبلغ قيمتها الإجمالية ما يعادل 40 مليار دولار.
لكن نظرا لأنها انطلقت من مستوى سعري منخفض للغاية مقارنة بالـ "بيتكوين"، حيث لم تتجاوز قيمتها عشرة دولارات، فإنها لم تفلح في الاقتراب من العملة الذهبية، ورغم ذلك فقد وصل سعرها إلى 426 دولارا للعملة الواحدة، ولا شك أن تلك الزيادة تعود في جزء كبير منها إلى قرار هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية التي رفضت إنشاء صندوق استثماري لتداول "بيتكوين"، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى شراء "الإيثريوم" بديلا عنها.
ولا يعني هذا أن "الإيثريوم" أو غيرها من العملات الرقمية الأخرى ستتفوق على الـ "بيتكوين" في القريب العاجل، لكن نمو وتصاعد الطلب على تلك العملات يحد إلى حد ما من الزيادات السعرية المتسارعة للـ "بيتكوين"، حيث يجد المستثمر بدائل أخرى تضاف إلى محفظته الاستثمارية ويمكنها أن تحقق معدلات ربح مرتفعة.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، إماليا إيفاز المحللة المالية في بورصة لندن، أن هناك عديدا من الفرص الاستثمارية في العملات المشفرة تتجاوز الـ "بيتكوين" التى حدث فيها انقسام بداية العام، فقد ظهر ما يعرف بالـ "بيتكوين كاش"، والقيمة الاإمالية لها بلغت 41 مليار دولار، وتجاوز سعر العملة الواحدة في بعض الأحيان 2500 دولار.
وتضيف إيفاز "كل عملة من العملات المنافسة لـ "بيتكوين" تحاول أن تتميز بصفه جديدة تمثل نقيضا لما هو موجود في الـ "بيتكوين"، فبعض العملات أسرع في التداول، و"الإيثريوم" على سبيل المثال لديها منصة لبناء التطبيقات التي تدير ما يعرف بـ "بلوك شين"، ولديها لغة برمجة خاصة بها، وهي أكثر قوة وتنوعا من الـ "بيتكوين"، لكن من عيوبها أنها مفيدة في نطاقها الخاص فقط، فعلى سبيل المثال لا يمكنك استخدامها لشراء لعبة "إكس بوكس" كما هو الحال مع الـ "بيتكوين".
ويعتقد بعض المختصين أن "الإيثريوم" ستمثل تحديا حقيقيا للعملة الذهبية في الفترة المقبلة، حيث تستخدم الآن في بعض الجامعات الأمريكية لتمويل احتياجات الطلاب.
لكن الدكتور دانيال هويت رئيس قسم البرمجيات في المعهد الهندسي، يعتقد أن بعض العملات المشفرة ستحقق نجاحات غير مسبوقة مستقبلا بسبب الاهتمام بقضية ضمان الأمن وعدم الكشف عن هوية المتعاملين، بصورة تفوق المتاح في الـ "بيتكوين".
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "أغلب المتعاملين بالعملات المشفرة، يبحثون عن مجموعة من الصفات في العملة التي يستخدمونها، ومن أبرز تلك الصفات سرعة التداول والأمان بمعنى عدم التعرف على هوية المتعاملين، وهناك الآن عديد من العملات الرقمية التي تحقق ذلك أفضل من الـ "بيتكوين"، لكنها لم تحظ بعد بالشهرة اللازمة خارج نطاق المختصين".
وأشار هويت إلى أن كل عملة من العملات المشفرة ستتصف بميزة تنافسية، تجعل فئة أو مجموعة من المستثمرين، ينحازون إليها أكثر من العملات المنافسة، فمثلا عملة "لايتكوين" تتصف بأنها أسرع في أداء المعاملات، وعملة "بيركوين" تتميز بأن استخراجها يتطلب طاقة أقل ومنخفضة التضخم.
ويصبح التساؤل: ما أبرز العملات المشفرة التي يفضل الاستثمار فيها بعيدا عن الـ "بيتكوين"؟ وهنا تتفاوت تقديرات المختصين في هذا الشأن فالمختص المصرفي ستيف فينالبي يفضل عملة "الريبل" التي ظهرت للعلن في عام 2012، ويقول لـ "الاقتصادية"، "إنها تتصف بذات المميزات التي تحظى بها الـ "بيتكوين" بوصفها وسيلة للمدفوعات على الشبكة العنكبوتية وأيضا كعملة للتداول، إلا أنها تختلف من وجهة نظره كثيرا عن الـ "بيتكوين" أيضا باعتبارها توجد شبكة عالمية لتسوية المعاملات التي تتم بعملات أخرى، وذلك مقابل رسوم مالية ضئيلة وهذا يعزز من إمكانية انتشارها".
فيما يعتقد آخرون أن العملة المشفرة "لايتكوين" ستمثل مع مرور الوقت تحديا لجميع العملات، لأنها صممت للقيام بالتحويلات المالية الصغيرة وبشكل سريع، لكن أحد أبرز جوانب الضعف فيها أن عملية استخراجها تؤدي إلى تلاشي أو اختفاء مجموعة من المزايا الخاصة بها، حتى إن تم ذلك عن طريق محترفين يمتلكون أجهزة كومبيوتر متطورة، وإذا لم يمكن التغلب على ذلك فإن تلك العملة يمكن أن تتلاشى.
ومع هذا ينصح جابي هولدن المختص الاستثماري بأن هناك مجموعة معايير يجب اتباعها عند الاستثمار في العملات المشفرة خاصة إذا لم ترغب في الاستثمار في الـ "بيتكوين"، وأبرزها وفقا لتقديراته أن يكون هناك تنظيم واضح وقانون محدد يتعلق بالعملات المشفرة والاستثمار فيها، مع متابعة دقيقة لتحركات السوق اليومية، وعدم الإفراط في نسبة العملات المشفرة في المحفظة الاستثمارية، وتنويع المحفظة الاستثمارية بأنواع مختلفة من العملات المشفرة وعدم التركيز على نوع واحد أو نوعين.
ومع هذا يحذر المختصون من أن تؤدي الارتفاعات المتواصلة في أسعار معظم العملات المشفرة، إلى إيجاد هالة زائفة من الجاذبية الاستثمارية خاصة بين صغار المستثمرين، تدفعهم إلى المغامرة غير المحسوبة التي قد تؤدي إلى خسائر مالية ضخمة لأصولهم المحدودة، فالآن يوجد نحو 1100 عملة مشفرة تتبارى في جذب أموال المستثمرين.
ويقول لـ "الاقتصادية"، هلبرت فليت الاستشاري في البنك الدولي "إنه لا أحد يستطيع الجزم بما إذا كانت العملات المشفرة تمر بمرحلة فقاعة سعرية أم لا، فالأسعار تتزايد من ساعة إلى أخرى دون مبررات اقتصادية مقنعة لكثيرين، لكن المؤكد هو أن السوق العالمية لن تتحمل لفترة طويلة وجود 1100 عملة مشفرة، وفي الأغلب ستتم عملية فرز عن طريق قوى العرض والطلب، وسيتم تلاشي واختفاء كثير من تلك العملات في المستقبل القريب".
وأضاف فليت أن "عملية التلاشي تلك ستنصب على العملات الضعيفة حتى إن كانت أسعارها شديدة الارتفاع، ومن ثم ستترافق مع انهيار سعري تام لها"، مشيرا إلى أن الأسواق ستشهد تدريجيا وجود مجموعة محدودة من العملات المشفرة، وليس بالضرورة أن تكون الـ "بيتكوين" من بينها، حتى إن تجاوزت عشرة آلاف دولار، "فنحن في بداية ماراثون طويل من الصراع بين تلك العملات على أموال المستثمرين".