في وول ستريت الناس يشعرون فقط بنوعين من الأحاسيس، الخوف والجشع"

ويليم في فافر

السوق - أي سوق - هو المكان الذي يلتقي فيه الباتعون مع المشترين. والبائعون والمشترون ما هم إلا بشر، ولكل بشر حالته النفسية التي تتشكل وتتغير حسب الظروف المحيطة به، والتحليل الفني هو في واقع الأمر تحليل تصويري لسيكولوجية الجماهير المشتركة بأي سوق

فالذي يتحكم في تصرفات المضاربين والمستثمرين في الأسواق المختلفة هو الخوف والطمع والأمل. حتى إن عالم الرياضيات السير إسحق نيوتن شخصيا قال يوما بكثير من الحسرة: "إنني قادر على حساب حركة الأجرام السماوية، ولكنني عاجز عن حساب جنون الناس عندما مني بخسارة قدرها ألف جنيه استرليني في عام 1720 م، وهو مبلغ ليس بالقليل في ذلك الزمان، بعد انهيار سعر أسهم شركة سوث سي التي كان قد استثمر فيها أمواله.

ومما لا شك فيه، أن خرائط الأسعار المختلفة والوسائل الأخرى التحليل الفني تعين كثيرا في القراءة الصحيحة النفسية المتعاملين بالأسواق وفهم سيكولوجية، وهي تعتبر أحد الأسس المنطقية والعقلانية الرئيسية لكثير من المستثمرين والمضاربين الناجحين في العالم. فهي تساعد هؤلاء على نزع العاطفة من قرارات التداول وإحلالها مؤشرات فنية قوية، ثبت من التجارب والخبرة السابقة ارتفاع احتمالات نجاحها.

وعموما، فإن هناك حاجة ماسة لشيء ما يمنع الوقوع ضحية للتقلبات النفسية التي تعتري المضارب مع تقلبات الأسعار في الأسواق. فالارتكان إلى مؤشرات دقيقة في اتخاذ قرارات التداول هو وسيلة ناجحة لتعظيم الأرباح وتقليل المخاطر والتحليل الفني يعد المستثمر بمقومات أساسية لتحقيق النجاح في التداول، أهمها: التوقيت، تحديد اتجاه الأسعار، وإدارة المخاطر. فالتوقيت السليم للدخول والخروج من السوق يحد د مستوى الأداء. والأداء الجيد هو اختيار جيد لتوقيت تنفيذ العمليات المالية.
تختلف ردود الأفعال النفسية للمشتركين بالسوق بالنسبة لحركة الأسعار حسب مراكزهم المفتوحة، فوجود مركز ما يعني التعرض لمخاطرة . وإذا كان المركز المفتوح مركزا طويلا ong، open position فإن أي انخفاض الأسعار عن سعر الشراء يعرض صاحبه لخسارة. أما إذا كان المركز المفتوح مركزا قصيرا short، open position فإن أي ارتفاع الأسعار عن سعر البيع بعرض صاحبه أيضا لخسارة. وفي حالة عدم وجود أي مركز لمستثمر أو مضارب ما - أي انعدام مخاطرته بالأسواق - فإن تحركات الأسعار إلى أعلى أو إلى أدني لا تؤثر ألبتة على وضعه المالي . ودائما ما تتأرجع ردود أفعال المضاربين بين الابتهاج والإحساس بالثقة في حالة ثبوت صحة توقعاتهم وتحقيقهم ل لأرياح، والإحساس بالحسرة وخيبة الأمل في حالة تكبدهم خسائر، ليس هذا فقط بل إن المکسب يجعل صاحبه فخورا ولديه الرغبة في الحديث عن مكاسبه، بخلاف الوضع في حالة الخسارة فيكون المرء منكسرا ومنطويا على نفسه لا يريد البوح بما يحدث له في

السوق.

(وأحيانا يصل الأمر ببعض المضاربين غير المحنكين إلى أن تتملكهم مراكزهم تماما - بدلا من تملكهم هم ل لمراكز- وتستحوذ بالكامل على تفكيرهم. لتصبح أراؤهم تعبيرا عن مراكزهم بالسوق، حتي يخيل للمرء أنهم يتكلمون بالنيابة عن مراكزهم؛ لأن رؤيتهم للأشياء تقتصر على مشاهدتهم لما يعضد الاحتفاظ بمراكزهم المفتوحة بالأسواق. فإذا كانوا قد اشتروا فإنهم لا يرون غير كل ما من شأنه ارتفاع الأسعار، أما إذا كانوا قد باعوا فإنهم يرون فقط ما قد يؤدي إلى انخفاضها

هذا على المستوى الشخصي للمتداولين، أما على المستوى العام فإن الفرد عندما يذوب في جماعة ما فإنه يفقد جزءا كبيرا من عقلانيته واستقلاله الفكري ويتحول إلى عضو في قطيع سلوكه عاطفي غير نابع من العقل ( 6 ). وعليه فإنه يصبح من الضروري فهم سيكولوجية هذا القطيع crowd، psychology أي مجموع المتداولين التفسير تصرفاتهم كجماعة وفهم ردود أفعالهم للأحداث، وهنا نجد أن التحليل الفني يعد إحدى الوسائل الفعالة لاستعادة العقلانية الضرورية للتعامل بنجاح مع التقلبات الدائمة الأسعار في الأسواق بحيث يعتمد الفرد على العقل دون العاطفة في النظر إلى حركة السوق.

هذا ما أكده تود لافتون المضارب والمحلل الفني الأمريكي بقوله :" إن التحليل الفني يقوم بوظيفة سيكولوجية قيمة، فهو يعطي المضارب منهجا موضوعيا لاختيار سعر معين ل لشراء أو البيع من بين عالم واسع من الأسعار المختلفة