بنك طلعت حرب اقصد بنك مصر
جاء بنك مصر ليسد حاجة ملحة في الاقتصاد المصري باستثمار أموال المودعين داخل مصر وفي مشروعات تخدم الاقتصاد المصري، بعد أن كانت كل أموال المدخرين المصريين في بنوك الأهلي وكريدي فرانسيه وغيره تجد طريقها خارج البلاد لتستثمر في اقتصاديات الدول الأوروبية.
يذكر د. يونان لبيب رزق في كتابه ” فؤاد الأول المعلوم والمجهول” عن قصة إنشاء بنك مصر أن فكرة انشاء بنك مصري برأس مال وطني طُرحت علي الرأي العام لأول مرة في جريدة الأهرام في مقال كتبه طالب حقوق مصري اسمه محمد بدوي البيلي في أبريل من عام 1919، أي بعد أقل من شهرين من قيام الثورة.
وكانت هذه المقالة هي شرارة بدء حملة صحفية كبيرة شارك فيها الطلبة والكتاب والصحفيين بمقالاتهم وأعمدتهم، حتي أصبح قيام هذا البنك مطلب شعبي مهم. ولم يمض علي الحملة شهرين حتي طارت الأخبار إلي الصحف أن بعض رجال الأعمال البشوات و الأفندية قد بدأوا بالفعل في تأسيس بنك وطني مصري برأس مال مصري.
خبر إعلان تأسيس البنك عام 1920 - من جريدة الأهرام
بعد تخرج طلعت حرب عام 1889 عمل مترجماً بالقسم القضائي "بالدائرة السنية" -وهي الجهة التي كانت تدير الأملاك الخديوية الخاصة- وبعد فترة خلف محمد فريد في إدارة أقلام القضايا بالدائرة، ثم انتقل مديرا للمركز الرئيسي بالقاهرة لشركة وادي كوم أمبو. وفي منتصف 1905 عُين مديرا لشركة العقارات المصرية وأيضا لشركة كوم أمبو خلفا للمدير اليهودي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتولى فيها مصري منصبا ًعلى هذه الدرجة من الأهمية في شركات يملكها ويديرها ويسيطر عليها الأجانب.
وفي عام 1908 قرر طلعت حرب إنشاء شركة مالية سماها "شركة التعاون المالي" كانت تقوم بالأعمال المصرفية الصغيرة التي تتناسب ومقدرتها المالية. وأهم ما قامت به الشركة هو تقديمها الكثير من القروض لأصحاب الأعمال الصغيرة في القاهرة عندما كان الإفلاس يتهددها، وأوكل طلعت حرب إلى صديقه د. فؤاد سلطان مهمة إدارتها، وتفرغ لما هو أكبر من هذه الشركة، وهو حملة الدعوة إلى تأسيس شركة مساهمة كبرى لبنك مصر!.
سعد زغلول فى زيارة تهنئة لطلعت حرب بمناسبة افتتاح بنك مصر
كان الأجانب -الذين كانت مصر تمتلئ بهم بعد أن قدموا إليها مع بداية تولي محمد علي حكم مصر- هم وحدهم الذين خاضوا تجربة تأسيس وإنشاء بنوك في مصر منذ مجيء محمد علي، وفقا لنظام الاحتكار السائد والذي لم يسمح بظهور ثروات كبيرة بين المصريين. والطريف أن محمد علي نفسه حين واتته فكرة إنشاء بنك لم يجد أمامه من يطمئن إليه سوى اثنين من "الخواجات" اليونانيين وعهد إليهما بإنشاء البنك على أساس مشاركة الحكومة المصرية معهما.
وبعد أن تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر أصدر في 4 إبريل 1879م) قرارا بتعيين وزيرين أجنبيين في الحكومة التي يرأسها نوبار باشا: الأول فرنسي للأشغال، والثاني إنجليزي للمالية!، وزاد هذا القرار من غليان الناس وتذمرهم، حيث ازدادت الديون واجتاح الإفلاس الجميع.
وفي يوم 14 إبريل 1879 جرى اجتماع حضره كبار الأعيان والتجار، وكان الهدف من ذلك الاجتماع هو إيجاد محاولة لتخليص الوطن من أسر الدين خلال 28 عاما، وفي سبيل ذلك فكروا في افتتاح بنك وطني برأسمال قدره 14 مليونا من الجنيهات تُجمع من سائر أفراد الأمة.. ومن هذا الاجتماع تولدت فكرة إنشاء "بنك وطني" للمرة الأولى، وذلك قبل عامين اثنين من الاحتلال الإنجليزي لمصر.
وسرعان ما تدهورت الأمور في مصر إلى أن تم خلع الخديوي إسماعيل من عرش مصر، وحلّ محله ابنه توفيق في 26 يونيو 1879 وبلغت ديون مصر حوالي مائة مليون جنيه. ثم وقعت مصر -التي كانت تحت السيادة العثمانية- تحت الاحتلال الإنجليزي بعد هزيمة عرابي عام 1881 ومع بوادر الحرب العالمية الأولى أعلنت بريطانيا في 27 سبتمبر 1914 إنهاء السيادة العثمانية على مصر، ووضعتها تحت الحماية البريطانية.
وحتى الحرب العالمية الأولى سيطر الأجانب على جميع البنوك في مصر، حتى إن الحكومة المصرية أودعت أموالها لدى البنك الأهلي بفائدة 1.5% مع علمها بأن البنك يرسل هذه الأموال إلى الخارج. وبلغ الرأسمال الأجنبي في عام 1914 حوالي 91% من مجموعة الأموال التي تُستغل في الشركات المساهمة التي تزاول نشاطها في مصر.