يشير مصطلح الذكاء العاطفي إلى كيفية قدرة الشخص على إدراك وإدارة مشاعره الخاصة ومشاعر الآخرين. وقد ارتبط هذا المصطلح باثنين من الباحثين بيتر سلفوى و جون ماير, وفيما لاقى شعبية أكثر على يد دانيال جولمانفي عام 1996، و يتوافق الذكاء العاطفي مع مجال القدرة المعرفية التي تسهل التعامل مع العلاقات الشخصية ويعزز الوعي الذاتي، الوعي الاجتماعي والتعاطف. ومن الجانب العملي فأن هذا يعني أن الذكاء العاطفي له تأثير كبير (ايجابيا وسلبيا) على سلوك الشخص. تتناول المقالة التالية كيفية تأثير الذكاء العاطفي على أداء تاجر الفوركس.

المهارات التي تشكل الذكاء العاطفي
كما أشرنا في المقدمة، يتكون الذكاء العاطفي من أربع مهارات رئيسية وهي: الوعي الذاتي، الإدارة الذاتية، الوعي الاجتماعي، وإدارة العلاقة.

بينما يعكس الوعي الذاتي والإدارة الذاتية الكفاءة الشخصية للفرد، فأن الوعي الاجتماعي وإدارة العلاقات يجسدان مدى الكفاءة الاجتماعية التي يتحلى بها الفرد. يمكن أن يندرج الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي تحت عنوان "ما يراه الشخص، في حين تندرج الإدارة الذاتية وإدارة العلاقات لتشمل " ما يفعله الشخص. وبالتالي، يتضح جليا وبصورة مفهومة أن جميع المهارات الأربعة تتشابك وتتداخل بطريقة معقدة. والآن دعونا نذهب لنلقي نظرة سريعة على تلك المهارات قبل مناقشة تأثيرها على تجار الفوركس على وجه الخصوص.

الوعي الذاتي — قدرة الشخص على فهم شخصيته الخاصة، مشاعره، فضلا عن رغباته ودوافعه. ومن شأن الشخص الذي يتصف بحسن الوعي الذاتي معرفة التغير في المشاعر عندما يعتريها تغييرات.
الإدارة الذاتية يمكن تعريفها بأنها القدرة على استخدام الوعي الذاتي للتحلي بالمرونة وإحداث تغييرات إيجابية في السلوك.
الوعي الاجتماعي — القدرة على فهم مشاعر الآخرين، وبشكل عام فهم ما يجري من حولنا.
إدارة العلاقات تمكن الفرد من استخدام الوعى الذاتي ومن ثم التفاعل بنجاح من خلال فهم عواطف الآخرين .
العقل والذكاء الاجتماعي
تنشأ الاستجابة العاطفية للحدث في الجهاز الحوفي.بالمخ. تدخل الحواس الأولية في المخ من خلال الحبل الشوكي. ومع ذلك، قبل أن تصل إلى الجزء الخاص في المخ الذي يتولى إصدار قرارات عقلانية، تدخل الإشارات للجهاز الحوفي. وبالتالي، فلابد من التوازن الكافي بين المراكز العقلانية والعاطفية في المخ. عندها يستطيع الفرد أن تكون لديه القدرة على اتخاذ أفعال والتصرف دون أي معضلة. وبعبارة أخرى، يتم تحديد مستوى الذكاء العاطفي من خلال كم التواصل الفعال بين الأجزاء العقلانية والعاطفية للدماغ .

المهارات الأساسية القائمة على أساس الذكاء العاطفي
يمكن الذكاء العاطفي الشخص من تركيز الطاقة في عمل معين، مما يؤدي في النهاية إلى نتيجة مذهلة. ومن الواضح أن الذكاء العاطفي يضع الأساس لعدد كبير من المهارات، والتي من شأنها أن تحدد أداء شخص في أي مهنة، بما في ذلك تداول العملات الأجنبية والاستثمارات. ومجموعة المهارات التي يتم رعايتها من قبل الذكاء العاطفي وتأثيرها على أداء تاجر الفوركس هي كما يلي :

إدارة الغضب
قد أظهرت الأبحاث أن الشخص الذي يفتقر للذكاء العاطفي لن يكون بوسعه السيطرة على نوبات غضبه. في نهاية المطاف، سيكون الشخص مجبرا على اتخاذ قرارات خاطئة. ففي غيبة الأساس المنطقي يسود الغضب. ويعتبر تاجر الفوركس الذي يتعرض للغضب مهيأ للإحباط واتخاذ القرارات التجارية المتسرعة. وستؤدى القرارات المتسرعة إلى خسارة. ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد فقد يحاول تاجر الفوركس الذى شابه الغضب ، الانتقام من السوق، مما يؤدي إلى مزيد من الخسائر. وأخيرا، سيصبح حسابه في مهب الريح. ومن شأن تاجر الفوركس الذي يتحلى بالذكاء العاطفي التعرف على الخطأ وتحديده بدلا من ان ينتابه وتسيطر عليه نوبات الغضب.

تحمل التوتر
عندما يزيد حجم التقلبات داخل السوق، فأن تاجر الفوركس الذي يحتفظ بمركز تداول سيتعرض حتما إلى مستوى معين من التوتر و يتم تحديده حسب حجم الصفقة المفتوحة والرافعة المالية المستخدمة. وفي ظل هذه الظروف، فأن الذكاء العاطفي، من شأنه أن يكفل لتاجر الفوركس أن يبقى دون انزعاج أو توتر من جراء الزيادة في تقلب السعر. وقد أثبتت الدراسات أن مستوى الذكاء العاطفي يلعب دورا هاما في تحديد قدرة الشخص على إدارة التوتر. وبالتالي، فإن تاجر الفوركس الذي يتسم بقدر جيد من الذكاء العاطفي ينتظر إما جني الأرباح المحددة سلفا أو ملامسة مستوى وقف الخسارة وتجنب تعديل أوامر التداول. من ناحية أخرى، فإن التاجر الذي يمتلك قدرا ضئيلا من الذكاء العاطفي سيكون عرضة للتوتر ومن ثم اتخاذ قرارات خاطئة، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى خسارة.

إدارة الوقت
تعد إدارة الوقت احدى المفردات الهامة في حياة تاجر الفوركس، ويمكن الذكاء العاطفي الإنسان من تحقيق هذا الهدف. فعلى تاجر الفوركس تخصيص الوقت لإعداد نفسه ليوم التداول التالي. ويشمل ذلك الإعداد تحليل السوق، وتحديد نقاط الدخول والخروج، والحفاظ على مذكرات التداول. ومن خلال الذكاء العاطفي يتمكن التاجر من تحديد أولوياته واحتياجاته بحيث لا يتم تفويت أي من الأنشطة المتعلقة بالتداول نظرا لضيق الوقت .

المرونة
المرونة هي ضرورة أخرى لابد أن يتحلى بها تاجر الفوركس. وقد أظهرت الدراسات أن الذكاء العاطفي يؤثر على مرونة الشخص بطريقة مذهلة. وسيجد التاجر الصلب صعوبة في تقبل الأخطاء ولاسيما إذا لم يتحرك السوق كما هو متوقع، فيما سيقوم التاجر المرن بإغلاق مركز التداول وانتظار وضوح الأمر. من ناحية أخرى، فإن التاجر الذى تنقصه المرونة يتكبد خسائر قد تهدد الحساب برمته. فيما يتحلى المتداولين المحترفين دائما بالمرونة. ويدركون من خلال خبراتهم حقيقة أن السوق ليس له سقف ولا قاع .

المسؤولية
ينبغي أن يكون تاجر الفوركس مسؤولا عن أفعاله. فالاستجابة يمكن أن تكون إما إيجابية أو سلبية. ومع ذلك، لا يجب أن يخجل التاجر من الخضوع للمساءلة. وهذا هو محور عملية القيادة في كل شيء. إلقاء اللوم على السوق أو على وسيط التداول تعتبر شماعة وعادة شائعة يتغنى بها بعض التجار. في حين أننا لا نستطيع إنكار حقيقة أن بعض مكاتب الوساطة المالية الغير مرخصة تنهب أموال العملاء بشتى الطرق، إلا أن هذا لا ينفى أن معظم وسطاء التداوليتمسكون بأخلاقيات العمل. وبالتالي، يجب على التاجر التأمل وتحليل الأخطاء بدلا من محاولة إلقاء اللوم على الجوانب الخارجية. ومن شأن الذكاء العاطفي جعل الشخص عرضة للمساءلة وتحمل مسؤولية أفعاله، وأي تاجر يحتاج بالتأكيد للتحلي بتلك الصفة .

المهارات الاجتماعية
لابد من توافر مهارات التفاعل والتواصل للنجاح في أي مهنة وليس تداول العملات الأجنبية استثناء لهذه القاعدة. وينبغي أن لا يتردد التاجر في التواصل مع وسيط التداول في حال أي شك بشأن فرق السعر، ارتفاع الأسعار المشكوك في تحصيلها، والأمور المتعلقة بالدفع / الايداع ، وكذلك المشاكل المتعلقة بمنصة التداول وأسعار المقايضة المفروضة، وما قد يحلو له أن يتواصل بشأنه. التردد في التواصل يؤدى لتفاقم المشكلات. إذا كان الشخص جديد في تجارة العملات، فعليه أن لا تعتريه أي مخاوف في طرح الشكوك أو تبادل الأفكار مع المتخصصين من ذوي الخبرة من خلال المنتديات ومنصات وسائل الإعلام الاجتماعي. ولعل الذكاء العاطفي يساعد التاجر في التعبير عن رأيه دون أي قيود وبطريقة بليغة.

القدرة على صنع القرار
كما ناقشنا في وقت سابق، تدخل الحواس الأولية الجهاز الحوفي قبل وصولها للجزء المخصص في المخ الذي يجعل القرارات عقلانية. وبالتالي، فإن أي قرار يتخذ من قبل شخص هو نتيجة التأثير التراكمي للمركز العقلاني والعاطفي من الدماغ. إذا كان المركز العاطفي لا يؤدي بشكل جيد، فأن استجابة الدماغ لا تكون كافية بالقدر الذى يمكن من حل القضايا. وقد أثبتت الدراسات أن الذكاء العاطفي يؤثر في قدرة الشخص على اتخاذ القرار. ولعل القدرة على صنع القرار هي التي تقرر في نهاية المطاف عامل الربح والخسارة لدى تاجر الفوركس. والتاجر الذى يمتلك الذكاء العاطفي الجيد يكون قادر على اتخاذ قرارات ذكية في الوقت المناسب.

الثقة والوثوق بالنفس
يعد احترام الذات بعد آخر ثبت وجوده بمستويات عالية لدى الاشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي. الذكاء العاطفي يمكن الشخص أن يثق في قدراته. ومن شأن تاجر الفوركس الذي يفتقر الى الثقة التردد في وضع أوامر الشراء أو البيع حتى إذا كان إعداد الصفقة مثاليا. بعد وضع أمر التداول، فإن التاجر لا يننتظر بصبر لحركة السعر أن تبدأ كما يريد. في نهاية المطاف، فإن التاجر يقوم بخروج مبكرا وفقدان فرصة لتحقيق أرباح جيدة. من ناحية أخرى، فأن التاجر المحنك يعدل من موقفة لجنى الأرباح وخفض الخسائر بسرعة. النضج والثقة التي يظهرها التاجر المحترف ما هي إلا نتاج لتأثير الذكاء العاطفي..

الحزم
الإصرار هو بعد آخر يجب أن يكون سمة في تاجر الفوركس. وينبغي أن يكون تاجر الفوركس قادر على تبرير أفعاله بطريقة لينة، إذا لزم الأمر، قياسا بأي مشاركين آخرين في السوق. فلا يجب أن يكون عدوانيا ولا سلبيا للغاية في استجاباته. حيث تخلق العقلية العدوانية انطباع سيئ عن التاجر، في حين أن الكثير من التخاذل والسلبية تجعل الآخرين ينظرون للتاجر على أنه عاجز. ووفقا للدراسات يعد الذكاء العاطفي المسؤول الأول عن جانب الحزم لدى الأشخاص .

التعاطف
التعاطف يدل على قدرة الشخص على فهم مشاعر الآخرين. في حالة تداول العملات الأجنبية، يتوافق التعاطف أيضا مع قدرة التاجر لتقييم استجابة المشاركين الآخرين في السوق تجاه حدث أو بيانات اقتصادية معينة. ما لم يكن التاجر قادر على تملك مقاييس رد الفعل المتوقع من غالبية المشاركين في السوق، سوف يكون من الصعب اتخاذ مركز تداول مناسب في السوق. هذا قد ينتهي إلى الأخطاء المكلفة. يغذى الذكاء العاطفي قدرة التاجر على فهم مفاهيم السوق وإرشاده لاتخاذ القرارات بما يتماشى مع الاتجاه الأساسي للأصل المالي .

تحسين الذكاء العاطفي
لم يولد الجميع على مستوى عال من الذكاء العاطفي. ومع ذلك، فإن النبأ السار هو أن الليونة العصبية أو قدرة الدماغ على التكيف مع التغيرات الداخلية أو الخارجية يمكن استخدامها لزيادة ورفع مستوى الذكاء العاطفي للفرد. فكل الخلايا العصبية التي تربط الطريق بين المراكز العقلانية والعاطفية للدماغ يمكن أن تتفرع لتصل إلى 15000 وصلة عندما تتدرب بشكل صحيح. هذه الهدية الرائعة التي يمتلكها كل إنسان يمكن أن تستخدم لتحسين الذكاء العاطفي لديه. وبناء على هذه النظرية، نستطيع القول أن تاجر الفوركس الذى يزرع الانضباط في التداول سوف يكون قادرا على رؤية ارتفاعا ملحوظا في مستوى الذكاء العاطفي في وقت قريب جدا. عندما يرتفع مستوى الذكاء العاطفي، سيتم شحذ وصقل كل المهارات المشار إليها سابقا مما يؤدي إلى أداء أفضل على مدى فترة من الزمن.

يلعب الذكاء العاطفي دورا رئيسيا في أداء تاجر الفوركس. أهم نقطة هي ان نتذكر ان البشر لديهم القدرة الفطرية لزيادة مستوى ذكائهم العاطفي. وهناك القليل من الجهد يقع على عاتق الفرد ليقطع شوطا طويلا في رعاية مستوى الذكاء العاطفي. وسرعان ما ينعكس مستوى الذكاء العاطفي على الأداء