لم يسدل الستار بعد على الدراما اليونانية ولم تصل أسواق الأسهم الصينية بعد إلى الحضيض، ولكن يبدو أن هذا الأسبوع سيكون مركزاً على الاقتصاد الأمريكي وما لدى رئيسة البنك الاحتياطي الفدرالي جانيت لقوله للمواطنين الأمريكيين. لقد ذكرت يلين سوق السندات يوم الجمعة أنه هناك على الأقل رفع واحد لأسعار الفائدة المخطط خلال عام 2015.

ماذا يعني رفع أسعار الفائدة حقاً؟
البنك الاحتياطي الفدرالي هو البنك المركزي في الولايات المتحدة، وهو مستقل تماماً عن الحكومة الأمريكية ويملك قوة هائلة في القطاعات المالية. على الرغم من أن البنك الاحتياطي الفدرالي يمارس الرقابة على السياسة المالية في الولايات المتحدة فقط، إلا أن عواقب قراراته مرئية في جميع أنحاء العالم.

وهذا يجعل من مهمة البنك الاحتياطي الفدرالي مهمة صعبة كونه المسؤول عن الصحة الاقتصادية للملايين من الناس - من الموظفين في المصانع وحتى الرؤساء التنفيذيين في كبرى الشركات – في المناطق الخاضعة لصلاحيته.

يسيطر البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من خلال بيع أو شراء الأوراق المالية المدعومة من الحكومة. إذا كان البنك المركزي يعتقد أن خفض أسعار الفائدة ضروري فهو يقوم بشراء كمية كبيرة من السندات الحكومية. وسيؤدي بالنتيجة تدفق السيولة في النظام المصرفي من هذه المشتريات إلى انخفاض أسعار الفائدة.


كيف تتجنب الحرام؟إعرف ما عليك أن تطلبه من شركتك لكي تتأكد بأن حساب التداول الذي تملكه يتوافق مع الشريعة
إذا ارتأى البنك الاحتياطي الفدرالي أنه من مصلحة الاقتصاد رفع أسعار الفائدة سوف يختار بيع هذه الأوراق المالية وبالتالي إزالة النقد من خزائن وزارة الخزانة ووضعه مرة أخرى في السوق الحرة. يمكن أن يقرر البنك الاحتياطي الفدرالي أيضاً التدخل لضبط سعر الفائدة على الأموال الفدرالية، وهو المعدل على القروض قصيرة الأجل بين بنك والآخر ويمكنه أيضاً تحديد سعر الخصم، وهو سعر الفائدة الذي يفرضه على البنوك مقابل الحصول على قروض التي تم الحصول عليها مباشرة من البنك الاحتياطي الفدرالي.

إذاً ماذا يعني كل هذا بالنسبة للمستهلك العادي؟ إذا كنت في السوق للحصول على قرض سيارة، على سبيل المثال، وقرأت أن البنك الاحتياطي الفدرالي قام بخفض أسعار الفائدة، ستتوقع الذهاب إلى البنك ودفع سعر فائدة أقل مما دفعت قبل أسبوع. ولكن هذا عادة لا يحدث. يعتبر سعر الفائدة الذي تدفعه على قرض السيارة "معدل الفائدة الحقيقي"، وهو الفرق بين معدل الفائدة الاسمي الذي حدده البنك الاحتياطي الفدرالي ومعدل التضخم، ولا يتم تحويل هذا الحساب إلى المستهلك مباشرة.

كيف ومتى يشعر المستهلكين بآثار رفع أسعار الفائدة؟
العملية برمتها طويلة ومعقدة ولكن يمكن وصفها بشيء من هذا القبيل: يقرر البنك الاحتياطي الفدرالي أنه بحاجة إلى رفع أسعار الفائدة لأنه يحتاج لتحفيز الاقتصاد الراكد وكبح جماح التضخم.

نحن على دراية جميعاً بمفهوم التضخم. فهو يحدث في الأساس هو يحدث عندما يبدأ شكل من أشكال العملة بخسارة القيمة على مدى فترة من الزمن. وهذا يعني أن ما تم شراؤه مرة مقابل مبلغ معين من المال، مثلاً 5 $، يكلف الآن 5.20 $، وهكذا تصبح ال 5 $ الأصلية قليلة وغير كافية الآن لشراء نفس الغرض.

وينتج التضخم عن عدة عوامل ولكن عادة ما يعزى ذلك إلى المفهوم الاقتصادي للعرض والطلب. عندما يكون الطلب مرتفع والعرض غير كاف، يرتفع سعر الغرض أو الخدمة.

وبالعودة إلى أسعار الفائدة. إذا رأى البنك الاحتياطي الفدرالي، بعد النظر في جميع العوامل ذات الصلة، بأن التضخم سيرتفع في وقت ما في المستقبل، فإنه سيقوم بتحديد سعر الفائدة الحقيقي أعلى من ذلك. وإذا رأى البنك أن تكاليف المعيشة منخفضة وبأن الشركات تبلي بلاء حسناً وبأن الإنفاق السريع، فسيقوم بخفض أسعار الفائدة من أجل عدم التدخل في التحفيز الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، فإن أسعار الفائدة المنخفضة تؤدي إلى تراجع الدولار الأمريكي وهذا بدوره يجعل السلع الأجنبية أغلى ويشجع المستهلكين على شراء السلع المصنوعة في أمريكا ويساعد على زيادة فرص العمل ورواتب العمال. يشجع وجود المزيد من المال في جيوب المواطنين على زيادة الإنفاق وازدهار الاقتصاد.

الجانب السلبي لهذا السيناريو هو أنه ومع وجود هذه الأموال يبدأ الطلب بالتفوق على العرض ويزداد سعر السلع ومن ثم يبدأ الطلب على هذه السلع بالانخفاض. انخفاض الطلب يؤدي إلى قلة الإنتاج، وفي نهاية المطاف، يتبع 1لك ارتفاع نسبة البطالة. وهنا تبدأ بوادر التضخم.

هذه هي المرحلة التي يأتي فيها دور البنك الاحتياطي الفدرالي. فكما ذكرت أعلاه، إحدى المسؤوليات الرئيسية للبنك الاحتياطي الفدرالي هي للحد من التضخم، وإحدى الطرق لفعل ذلك هي رفع أسعار الفائدة. يمكن لرفع أسعار الفائدة أن يدعم الدولار الأمريكي ويجذب المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن عوائد مرتفعة على استثماراتهم. والنتيجة بالتالي هي زيادة الطلب على الدولار الأمريكي مما يعزز قيمته وسيؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ الاستثمار الأجنبي.

ولكن هذا قد يكون سلاح ذو حدين، فيمكن للدولار القوي أن يكون أمر جيد بالنسبة للأميركيين الذين يقومون بشراء المنتجات الأجنبية وبالنسبة لأولئك الذين يستثمرون في الشركات الأجنبية. ولكنه يخلق من جهة أخرى المنافسة مع الشركات الأمريكية وإذا لم تتمكن هذه الشركات من مجاراة المنافسة ستضطر لأغلاق أبوابها مما سيتسبب بالبطالة وسيخلق عدم الاستقرار في الاقتصاد الأمريكي.

إن واجب الحفاظ على التوازن بين معدلات الفائدة المرتفعة والمنخفضة يشكل أكبر تحد أمام البنك الاحتياطي الفيدرالي ورئيسته الحالية جانيت يلين، التي تدير البنك بقبضة قوية. العالم يتحول إلى مكان أصغر كل يوم والولايات المتحدة لا تعمل في فراغ. إن ما يحدث في أي مكان في العالم له تأثير مباشر على الاقتصاد الأمريكي ويمكن للخطط التي يتم تحديدها أن تنقلب رأساً على عقب في غضون دقائق.

لقد كان من المفترض ليلين رفع أسعار الفائدة عدة مرات العام الماضي ولكن كما اتضح فيما بعد، فإنه لم يكن الوقت المناسب لتنفيذ التغيير. فقد كان الاقتصاد الأميركي متقلباً ويبدو أنه لا يزال يتحسن من الانهيار الأخير. ولكن أزمة اليونان وضعت مستقبل اليورو في موضع الشك ولقد أدى هذا بواشنطن إلى التفكير بتأثير ذلك على الدولار الأمريكي.

وبالإضافة إلى هذا المزيج فقد حدث التراجع الأخير في اثنين من أسواق الأسهم الرئيسية في الصين، واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في الوقت الراهن، ومسألة رفع أسعار الفائدة التي لا تزال معلقة في الهواء. ومع ذلك فقد أشارت التقارير التي أعقبت الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الفدرالي يوم الأربعاء إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة قوي، مما يجدد مرة أخرى احتمال رفع أسعار الفائدة هذا العام. سوف يحدث هذا الأمر في نهاية المطاف، وستكون الزيادة الأولى من نوعها منذ ما يقرب من عقد من الزمان.