تشدّد المعالجة النفسية الدكتورة بولا حريقة على أهمية التعايش الإيجابي مع مرض سرطان الثدي لدى المرأة، وعلى أهمية العلاج النفسيPsychotherapy في الموضوع، معتبرة أنه أصبح من المؤكد والثابت علمياً أن الحالة النفسية لمريضة سرطان الثدي، من أهم مقوّمات شفائها ونجاح علاجها منه، وهي المحفز للجهاز المناعي بداخلها لكي تتصدى وتقضي على هذا المرض الخبيث، إضافة إلى دور المجتمع والعائلة في الوقوف الى جانبها ومنحها الشعور بالقوة والإرادة والأمل. فإحساس مريضة السرطان بالهزيمة واليأس من شفائها يؤثران بالسلب على طول مدة علاجها و تغلبها على المرض.

د. بولا حريقة ستفصّل في هذا اللقاء المراحل النفسية للمرأة المصابة بسرطان الثدي وكيفية تجاوز صعوبات المرض، هي وعائلتها، أي سندها في المحنة، عبر العلاج النفسي Psychotherapy ليتساعدوا معاً للوصول الى شاطىء الأمان بأقلّ خسائر نفسية ممكنة.

لنتكلم أولاً عن الأمر الأهم في الموضوع وهو نفسية المرأة المصابة بسرطان الثدي؟

من الصعب التحدّث عن متابعة الحياة بشكل طبيعي بالنسبة الى المرأة المصابة بسرطان الثدي وكأن المرض غير موجود. فأول ما يجتاح المرأة هو اضطراب ما بعد الصدمة، الذي ستظهر من مجموع عوارضه في هذه الحال، كعدم التصديق، الخوف، الإحباط ، الاكتئاب ، الحزن الشديد والبكاء، سرعة الانفعال وقلق الموت. فالمرأة تعجز عن تحمّل فكرة التشوّه الذي سيصيب جسدها وشكلها الخارجي، هي المعروفة بالإهتمام الكبير الذي توليه لجسدها مهما تقدّمت في السن، كما ترفض فكرة أن يكون الثدي مصابًا لأنه رمز الأنوثة والأمومة. أعتبر أن العلاج النفسي Psychotherapy للمرأة المصابة ، يساعد في تقديم الدعم والمساندة طوال رحلة العلاج التي تبدأ بعد تشخيص المرض فتتوالي الأحداث بشكل سريع وهنا تظهر ردود الفعل المختلفه بالنسبه للمريضة وعائلتها وتبدأ التساؤلات عن كيفية مواجهة هذه الظروف الجديدة التي ستؤثر بشكل كبير علي نوعية الحياة الخاصة بهم .

التفكير الإيجابي لدى المرأة المصابة وهل هي بحاجة الى معالج نفسي لمتابعة حالتها النفسية؟

يمكن تفسير الوضع النفسي للمرأة المصابة بأنها ذات تصوّر سلبي عن ذاتها، فاقدة الإهتمام بالمستقبل المتّشح بسواد الموت المحتّم، وإن كان الشفاء من سرطان الثدي تحديدًا من الأمور المؤكدة في غالبية الحالات. بالنسبة للتفكير الإيجابي، يتطلب الأمر تدخلاً علاجيًا معرفيًا يؤدي إلى تعديل أفكار المرأة السلبية عن جسدها وتغيير تصوّراتها عن نفسها وعن المحيطين بها، إذ يجب أن تعي أن الجسد لا يشكّل المقياس الرئيس والأساس لأهميتها الإنسانية. كما يعمل المعالج النفسي على استبدال الأفكار غير المنطقية والمتطرّفة والمضخّمة التي تسيطر على المرأة والمتعلقة بهويتها كامرأة بأفكار أخرى منطقية مدمغة بالثقافة بشأن سرطان الثدي، للتأكد من نسب الشفاء المرتفعة، وأفكار تعيد لها الثقة بنفسها وبقدراتها الشخصية كإنسانة فعّالة ومهمة ومنتجة مهما كان دورها وعملها. بكلمة واحدة.. أعبر أن علاج مريضة سرطان الثدي جزء كبير منه نفسيّ.



نفهم أن جهاز المناعة النفسي حسّاس بالنسبة الى المرأة المصابة؟

بل جهاز المناعة النفسي مرتبط بشكل وثيق بجهاز المناعة الجسدي، ومن الضروري العمل على تقويتهما معًا، وهذا يحتّم عدم دخول المرأة في شرنقة الاضطراب والمخاوف والإبقاء على التفكير الإيجابي في ما خصّ المرض والحياة، ومساعدتها على العودة إلى حياتها اليومية الطبيعية، واعتبار أن ما حصل معها ليس سوى مرحلة صعبة آيلة إلى الانتهاء رغم ما تركته من بصمات، كأي عملية جراحية تنتهي بنجاح تام وتبقي بعض الندبات في الجسد. إذ من الضروري ألا تنعزل الحياة الطبيعية والعمل لئلا تبقى أسيرة التفكير بالمرض، فمن خلال الخبرات العيادية، نستطيع الجزم بأن اعتبار المرض “صديقاً”، يسهّل سبل التآلف معه، أما اعتباره عدوًا ورفضه، فيضعف القدرة على مواجهته.

أهمية أن تكون عائلة المُصابة بسرطان الثدي على عِلم بالأمر؟

لأن مرض السرطان هو من الأمراض التي تدخل المريض والعائلة في نهج حياة مختلف، أي ان السباق بين الحياة والموت قد بدأ، لذلك من الضروري أن تكون العائلة على علم نظرًا لأهمية الدعم الذي تقدمه للمريض.

من يجب أن يخبر الأولاد: الطبيب أم الزوج أم الأم نفسها ؟

إنه واجب العائلة لا الطبيب. من الأفضل أن يخبر الزوج أيّ الأب أولاده بالأمر، لأن الأم تكون عاجزة وشبه منهارة، غير متقبّلة للأمر، وانهيارها هذا قد يجعلها تشعر بالشفقة عليها من جهة، وبالحزن الكبير في عيون أبنائها، والخوف عليهم من جهة أخرى، الأمر الذي قد لا تستطيع تحمّله، فتزيد معاناتها، مع أن مريض السرطان يحتاج إلى التماسك والمقاومة.

من يجب أن يخبر المرأة العزباء بأمر إصابتها بسرطان الثدي؟

طبعاً الطبيب بوجود أقرب المقرّبين إلى العزباء، أي الشخص الذي يعرف أنه قادر على منحها الدعم النفسي الذي تحتاجه عند تلقيها الصدمة، إذ يمكن أن تكون يتيمة، وقد تكون أختاً أو صديقة.

كيفية التحدّث وإخبار العائلة مع مراعاة إختلاف الفئات العمريّة؟

بالنسبة للراشدين ليس هناك من مشكلة، أما بالنسبة للفئة ما بين 14 ـ 15 سنة، سيكتشفوا مرض والدتهم من الأجواء المخيّمة على البيت، الأمر الذي يهيء للمناقشة، وبعدها لاخبارهم بالأمر من دون أن يكون هناك أيّ إشارة للموت، مع تحضيرهم للتغيّرات التي ستحدث بعد العلاج الكيميائي وكيفية الدعم وتخفيف الطلبات وتحمّل بعض المسؤوليّات، وضرورة معرفتهم أن سرطان الثدي لم يعد بالمخيف، ومن الضروري التأكيد على أن التغييرات التي تطرأ على المصابة مرحلية وليست دائمة وستعود الأمور فيما بعد على ما كانت عليه. أما الأطفال فالأفضل تجنيبهم قدر الإمكان التغيّرات ما بعد العلاج الكيميائي للمصابة.

غالباً ما تقع المرأة المصابة في صراع بين مرضها وبين البقاء صامدة أمام عائلتها.. كيف يجدر بها التصرّف؟

الأمر أكبر من نظام أو أسلوب أو نصائح نعطيها للمرأة حتّى تتقيّد بها. المسألة تعود الى تركيبة الشخصية عند المرأة. إذا كانت شخصية المرأة في الأساس انهزامية، ستدخل شرنقة المرض وستقصّر في مسؤولياتها بالرغم من المجهود الكبير التي تقوم به. أما السيدة صاحبة الشخصية القوية، الحيوية، النشيطة، فتضاعف دفاعاتها النفسية ومقاومتها، وهنا الأساس الذي يساعدها لتقاوم المرض . ولكن، مع التوجيه والتوعية الذي يقدّمها الاخصائي النفسي، تصل السيدة الى مرحلة تبْني فيها قدراً من الشجاعة الذاتية، لتقرّر هزم المرض، وتتحلى بالتفاؤل والإيجابية والأمل حتى لو راودتها بعض المخاوف من وقت الى آخر.

أين يأتي دور الزوج في خضم الحالة كلّها؟

الزوج هو الأساس لتضاعف زوجته المصابة المقاومة. من واجب الزوج مدّ زوجته المصابة بالحنان والرعاية والدعم، لتتفهّم الحالة النفسية الصعبة التي تمرّ بها، لأن المشاعر تختلف لديها و أهمها الإحساس بالحزن والخوف والقلق، وايضاً الاكتئاب… المريضة بشكل عام، وبالرغم من الأمل بالشفاء ، تبقى خائفة أن يضيع هذا الأمل، فتزداد الرغبة لديها بأن تبقى وحدها، كما تزداد انفعالاتها، خصوصاً في حال استئصال ثديها، إذ تشعر بالنقص، ودور الرجل هنا في عدم الطلب منها بذل مجهود يفوق طاقتها، لأن كل القلق الذي يراودها يعرّضها لاضطراب في النوم وشعور بالتعب والإجهاد والإحساس بالضيق. على الزوج ان يكون متفهّماً لكل ما تمرّ به الزوجة، وهنا مسؤولية الطبيب والأخصائي النفسي لإرشاده.

شعور السيدة جرّاء إصابتها بسرطان الثدي؟

تشعر المرأة أن أنوثتها مسلوبة منها وانها تشوّهت حتى قبل استئصال الثدي، وتزيد الحالة سوءاً بعد الاستئصال، وأكثر في حال إجراء جراحة تجميلية لزرع ثدي جديد- إذا كان بإمكانها دفع تكاليف الجراحة- فهنا تكون بحاجة ماسة لثقافة الزوج وتركيبته العاطفيّة، لأن التوعية لا تشمل المريضة فقط إنما الزوج أيضًا. والقصّة قصّة ضمير إنسانيّ على قدر من الوعي لظروف مماثلة يدعمه دور المعالج النفسي الذي يقدّم علاجاً عائلياً في هذه الحال.

هل يمكن لتردّي العلاقة الحميمة نتيجة تبعات العلاج الكيميائي أو الإستئصال الكامل أن تؤثّر على علاقة الزوج بالمصابة ؟

ممكن، ولكن هناك علاقات زادها مرض الزوجة بسرطان الثدي متانة، خصوصاً عندما اكتشفت الزوجة انه سواء خسرت ثدييها أو لا، باتت من دون شعر وحواجب أولا، يبقى زوجها راضٍ ومتقبّل ومستعد لمساندتها في محنتها، وأن علاقته بها لم تكن قائمة على جزء أو عضو من جسدها. إنما هناك حالات وصل فيها الزوجين للانفصال أو الطلاق، لأن الزوج لم يستطع إستيعاب صدمة إصابة زوجته بالمرض، خصوصاً عند استئصال الثدي وسقوط الشعر والحواجب. لهذا أقول إنه عامة ما نرى الزوج يفكر بصمت. هنا أهمية العلاج النفسي العائلي ودور الجمعيات الخاصّة بدعم مرضى السرطان ومن يحيط بهم من أفراد، خصوصاً الزوج، إذ يقدّم العلاج له المجال للتعبيرعن مخاوفه ومشاعره، ليتوصل العلاج النفسي الى جمع الزوجين ليناقشا مع بعضهما البعض مخاوفهما وحاجتهما ليتساندا معاً.

كيف يمكن للزوج أن يوفّق بين دوره كوالد وودوره كزوج؟

أكثر من كونه والد وزوج، هو أيضا رجل عامل. إذاً، واجباته زادت، والوضع النفسي متدهور، والتوفيق يتطلّب أيضًا وجود عائلة تتوزّع أدوارها، حتى لا ينهار الزوج.