ظهور المجتمعات البشرية بأساليب كثيرة للتعبير عما يجول في خاطره من أفكار وآراء ومشاعر، ولم يكن ليعتمد على الكلمة المنطوقة وحدها بقدر ما استخدم الإشارة والرسوم والرموز كوسائل مرفقة في التخاطب اليومي. وما فتئ يضطلع بتنويع لغة تواصله وترقيتها عبر العصور بما يزيدها قدرة على التعبير وسرعة في التبليغ حتى توصل إلى ابتداع ما يشبه "الخوارق" بالنظر إلى مكتشفاته ، وعلى رأسها البريد والسينما والهاتف، مرورا بالتليغراف والمذياع، ووصولا إلى التلفاز الملون أخيرا.
في هذا المنظور تبين لنا ملاحظة أمرين : الأول أن هذه المكتشفات الهائلة التي تطلبت عهودا من الزمن وجهودا معتبرة لأجيال من العلماء والباحثين تبدو في الوقت الراهن كما لو كانت مجرد إرهاصات مقارنة بالطفرة النوعية التي تحققت لوسائل الإعلام والاتصال في أواخر القرن العشرين، ولاجتياحها المجتمعات والأوطان بالسرعة التي نعلمها، واحتوائها العالم الذي صار أمام تطورها المذهل أشبه بقرية -كما يقال- بعد تلاشي الحدود بين ربوعه و زوال الموانع التي ظلت إلى وقت قريب تحول دون اتصال المجتمعات ببعضها وانفتاحها على غيرها والتواصل معا بالصوت والصورة من أبعد الأصقاع


أما الثاني فإن تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة لم تتأن في اقتحام المدارس التعليمية بدء بالمعاهد والجامعات ووصولا إلى أبسط لمؤسسات. ما يفسر أهمية هذه التكنولوجيا في عالم المعرفة، ويؤكد حاجة المعلمين والمتعلمين إلى شبكتها العالمية وطاقاتها المعلوماتية، وبخاصة إلى قنواتها التعليمية التي تشكل مصدرا معرفيا لا يقدر بثمن، لما توفره من دعم للتعلم، وإمكانات للبحث والتفقه في مختلف العلوم والتخصصات.
ولا شك أن توفر هذه التكنولوجيا للبيئة التعليمية يسهم إلى حد بعيد في تحقيق أي من الأهداف المسطرة في مناهج الدراسة، وكذا في خلق عادات وسلوكات جديدة في حياة الأفراد.
ولئن كان لا بد من استخدام تكنولوجيا التعليم الحديثة في المؤسسات التربوية لترقية أدائها وإدماج المتعلمين في المجتمع المعرفي وإشراكهم في بنائه مستقبلا، فإن هذه الغاية ما كانت لتقتصر على الأسوياء منهم دون ذوي الاحتياجات الخاصة. ومرد ذلك أن هذه الفئة الأخيرة أحوج من غيرها إلى تكنولوجيا الإعلام والاتصال في ظل القدرات التي توفرها لها التكنولوجيا الحديثة لممارسة التعلم وتطويره، و انفتاح العالم أمامهم على كل معارفه وثقافاته. وهي القضية التي استوقفتنا متسائلين عما إذا تمّ تفعيل وسائل الاتصال والإعلام في العملية التربوية لذوي الاحتياجات الخاصة ؟ وما درجة هذا التفعيل في مؤسساتهم المكيّفة ؟ ثم ما هي التغيرات التي تتيحها لتعليمهم وتنشئتهم ؟ وما طبيعة العقبات التي تعترض توظيفها؟ وأخيرا ما رأي أهل التربية والاختصاص فيها ؟
وبالاستناد إلى بعضهم يتضح لنا أن الانترنت مثلا يلعب دورا هاما في تعليم المعوقين شريطة إعداد البرامج التعليمية اللازمة وفقا لاحتياجاتهم الخاصة، بوصفه أداة ناجعة لتكوين هذه الشريحة تكوينا علميا وتربويا، ولمساعدتهم في الاعتماد على أنفسهم في مواجهة الحياة الدراسية والعلمية، وكذا على تحسين قدراتهم على الاتصال، والارتقاء بها أيا كانت طبيعة الإعاقة ودرجتها. هذا، و يمكن استثمار الأنترنت في تعليم جل مواد الدراسة بأقل جهد، وكلفة، ووقت.
وفي هذا المضمار تجدر الإشارة إلى أن الإطار النظري لدراسة (مانوشهر طابطبائى 2002) " تكنولوجيا المعلومات للأفراد تحت الحماية" الهادفة إلي تحديد التطورات الهامة في توظيف المعلوماتية للمعوقين بصريا، يؤكد تسهيلات الكمبيوتر المعلوماتي في عملية تعلم ذوي الاحتياجات الخاصة، ولاسيما المعوقين بصريا، إذ مكّنهم من الانتفاع ببرامج التدريب الناطقة ( برنامج برايل).
أما ( شارون آر 1999) فقد أجرى دراسة ميدانية تؤكد إمكانية استخدام المعوقين بصريا للانترنت في قراءة الافتتاحيات على الشبكة بواسطة (قارئ الشاشة)، والاتصال بسهولة من خلال البريد الإلكتروني، موضحا أن ثمة خدمات يقدمها الأنترنت لهؤلاء في العملية التربوية بطريقة لفظية مسموعة، كتحويل المادة المطبوعة إلى مادة منطوقة، يتمكّنون منها دون مساعدة أحد، هذا إضافة إلى الدروس الموجهة لتنمية مهاراتهم العلمية والأدبية والثقافية بشكل عام.
و بخصوص ذوي العاهات السمعية فهؤلاء يحظون بخدمات مكيفة وفقا لخصائصهم، ومنها البرامج القائمة على تنبيه وتدريب أعضاء النطق، أي على قراءة الشفاه وتفسير حركات الوجه، وتركيز الانتباه، كما يحظون أيضا باستخدام لغة التلميحات اليدوية بشكل كامل للترجمة.