نؤكد ما قلناه من قبل من أن المتاجر الجيد هو الذي يوائم بين الطمع والخوف. و""الزائد أخو الناقص"" كما يقولون ، وخير الخصال هو التوسط. والتوسط يعني أن يتحكم المتاجر في نفسه ، فمن الطبيعي لكل منا أن يطمح إلى مرتبة أعلى ، وحياة أفضل. والطموح خصلة محمودة ، أما حين ينقلب إلى طمع مطغي ، فيتحول عندها السلوك المحمود إلى تصرف مذموم ، وتنقلب الآية. وينطبق القول نفسه على الخوف ، فالخوف طبع بشري ، يحسه كل منا ، ويعاني منه كل بشري. وهو خلق محمود حين يكسوه الحذر ، فيكون كمكابح السيارة التي تضمن السلامة من الزلل.
غير أن الخوف حين يزيد عن حده ، يصير رعباً يؤخر ، ويشل. ولاشك أن الخوف مطلوب حتى يراجع المرء نفسه ، ويفكر في عواقب تصرفاته قبل أن يقدم عليها ، فيضمن بذلك أن تقل أخطاؤه ، فلما يتضخم حجم الخوف في نفس المرء ، ويتعاظم حتى يصير رعباً ، أو فوبيا كما يقال في علم النفس ، صار خلقاً سلبياً مرضياً.
فإذا طبقنا هذا كله على عمل المتاجر ، رأينا أن التهور - كما تقدم - يؤدي إلى الخسارة الفادحة على أمل الربح ، وكلما زادت الخسارة تجدد الأمل في الربح وقوي ، وتحولت عيون المتاجر وعقله إلى صورة شبيهة بما نراه في سمات المقامرين على آلات الميسر ، فتصير تجارة العملات عند هؤلاء إدماناً ، ليس من أجل الربح ، بل من أجل الحصول على هذه الحالة التي يعرفها المقامرون جيداً. كذلك فإن الخوف يودي بالمتاجر حين يزيد عن حده حتى يصل إلى حالة من فقدان التوازن. فيبدأ المتاجر عمليته ، ويبدأ في التوتر من أول لحظة ، فإذا زادت الخسارة عن السبريد بنقاط قليلة انتفض ، وارتبك ، وأغلق العملية دون أن ينتظر وصول السعر لوقف الخسارة. ثم يرى السعر بعدها وقد عاد في اتجاه الربح بعد أن أغلق عقوده على الخسارة ، ويرى سوء تصرفه ، ويتأكد منه ، لأنه لم يحترم النقاط التي وضعها لعمليته ، وتجاهل الخطة التي وضعها لعمله ، ومرة عن مرة يتحول الخوف في طبعه إلى فقدان للثقة بالنفس ، فلا يدخل عملية إلا وقد عزم على خسارتها مقدماً بالرعب الذي يتملكه ، وبفقدان الثقة بنفسه وقدراته وعلمه.
ونقول هنا أيضاً ما قلناه في الفقرة السابقة من أن الأساس الأول في هذه المثالب هو قلة العلم والخبرة. وهي أشياء لابد لكل متداول أن يحرزها قبل أن يدخل إلى العمل في هذه التجارة