05 قصص نجاح لأوقات الركود الاقتصادي
جوناثان جوثري - فاينانشال تايمز
المضمون الذي يُفهم من معظم الأخبار والتغطية الإعلامية هو أن الشركات في جميع أنحاء العالم تضررت بفعل التراجع الاقتصادي. ولكن كثيراً من الشركات لا تنطبق عليها الأوصاف السائدة في الصحافة من قبيل "في حالة معاناة" أو "مضطربة" أو "تضررت بفعل التراجع الاقتصادي". هناك درجة من الإحساس بالذنب لا بد أن يكون موجوداً لدى أصحاب هذه الشركات والمديرين العاملين فيها. رجل أعمال أعرفه توقف عن قيادة سيارته من طراز أستون مارتن. فهو لا يريد أن يبدو كأنه يستعرض نفسه على الناس في الوقت الذي يعاني فيه الجميع من الضائقة.
وصل إلى الوضع الذي يوجد فيه اليوم من خلال إعطاء الزبائن ما يريدون. في هذا العمود أهدف إلى إعطاء زبائني ما يطلبون، وهو أمر مختلف تماماً، على شكل أنباء جيدة. ربما يكون هذا نوعاً من الحمق. فالإخفاق بصورة عامة يكون من نصيب المحاولات الرامية إلى إمتاع القراء بالقصص السعيدة. مذيع الأخبار مارتن لويس كافح التشاؤم في التسعينيات من خلال كتب ذات عناوين مشجعة مثل القطط في الأخبار. مع ذلك فإن الأخبار السلبية لا تزال معنا، على نحو غير مفهوم.
لذلك أرجو أن يعتبر القارئ هذا العمود كتجربة. وعليه أن يقلب هذه النظرة العبوس وأن يستمع إلى قصص نجاح تمكنت فيها خمس شركات خاصة من البقاء والازدهار في أوقات التراجع الاقتصادي.
أول شركة لم تسر وفق الاتجاه العام هي شركة سمبل Simple، المتخصصة في رعاية الجلد، والتي زادت أرباحها التشغيلية ومبيعاتها بنسبة 11 في المائة تقريباً، لتصل إلى 21 مليونا و61 مليون جنيه استرليني على الترتيب. بالمقابل فإن سوق رعاية الجلد في بريطانيا ينمو بمعدل 1 في المائة فقط في السنة. القوة التي تتمتع بها شركة سمبل في سوقها المتخصصة جعلت من الممكن بالنسبة لشركة يبلغ عدد العاملين فيها 55 موظفاً أن تأخذ حصة من السوق من الشركات العملاقة التي من قبيل "بروكتور أند جامبل" و"لوريال".
يقول كبير التنفيذيين جيف بيرسي، على نحو من التفاؤل الذي يبدو طبيعياً في أحد مشجعي نادي نيوكاسل يونايتد: "الشركات الضخمة تنفق على الدعاية عشرة أضعاف ما ننفق، ومع ذلك فليس هناك سقف لما نستطيع تحقيقه". شركة سمبل تلجأ إلى الادخار، كما تفعل كثير من الشركات التي تمر بهذا الطور من الكساد الاقتصادي والتراجع. العاملون في تنظيف الجلد في الشركة يحملون علامة معروفة جيداً، ولكنهم يقعون في نهاية القيمة في السوق.
شركة التجزئة العامة، "باوند لاند" تعطي كذلك مثالاً على إمكانية التمتع على نحو غير مكلف. حيث إن كل قطعة في المحل تباع بجنيه واحد، فإن المتسوقين عند وقوفهم على الصندوق يتجنبون الشعور بما يعرف بتعبير "صدمة الصندوق"، على حد تعبير جيم مكارثي، كبير التنفيذيين. والنتيجة هي أن الزبون يعمل على مراعاة أحاسيسه التي تدفعه لشراء مواد معينة، رغم أن السؤال الذي يسأله الزبائن بصورة متكررة في فروع الشركة (التي يبلغ عددها 200 فرع) يظل: "ما هو سعر هذه القطعة؟" هل يحس هؤلاء الناس بالدوار؟
شركة باوند لاوند تحقق نمواً متواصلاً في الأرباح من سنة إلى سنة بنسبة 4 في المائة، ولديها برنامج نشط لافتتاح فروع جديدة، بما في ذلك تحويل المحال التي كانت سابقاً من فروع شركة وولويرث. يعتقد مكارثي أن قرار "وولويرث" (التي كانت تبيع كل شيء بالسعر نفسه) بالتحول إلى محل يبيع بأسعار مختلفة ومتعددة أضر بصورة مميتة بوضوح رسالتها في المبيعات.
هذه النزعة التقشفية الجديدة أشعلت مستويات مشابهة من النمو في شركة تمبسون، التي تتخصص في جلخ المفاتيح وإصلاح الأحذية. يقول جون تمبسون، رئيس مجلس إدارة الشركة: "الركود الاقتصادي يشكل حملة دعائية ممتازة بالنسبة لأعمالنا". يذكر أن الشركة في سبيلها إلى رفع حجم المبيعات بنحو 60 مليون جنيه استرليني ليصل إلى 160 مليون جنيه في السنة المنتهية بأيلول (سبتمبر). إن محاولة بيع الأحذية المستعملة أمر روتيني لا متعة فيه. ولكن علامة تمبسون التجارية المعروفة تعطي الارتياح نفسه، حيث تكون رائحة الأحذية المعروضة للبيع هي نفسها الرائحة التي يجدها الزبائن في الأحذية الجديدة التي تباع في المحال الراقية.
شركة برومبتون، التي تبيع أنواعاً معينة من الدراجات بسعر تجزئة يتراوح بين 500 و600 جنيه استرليني لا يبدو أنها شركة ذات أسعار اقتصادية على الإطلاق. لكن المدير الإداري للشركة ويل بتلر آدمز يقول إن اندفاع المبيعات في الفترة الأخيرة مدفوع برغبة أهل لندن في التوفير، حيث إنهم باستخدامهم للدراجات فإنهم يستعيدون ثمنها خلال تسعة أشهر من خلال عدم استخدام قطار الأنفاق وسيارات الأجرة. على نحو من الحماسة الكبيرة يقول بتلر آدمز: "ليس من الضروري أن تكون من المتحمسين للدراجات لترى أنها هي الطريق الوحيدة للمستقبل." تمكنت برومبتون من تحقيق رقم قياسي في المبيعات الشهرية كاد أن يصل إلى مليون جنيه في شهر آذار (مارس). واحتفل المعمل بوجبة مجانية للعاملين من السمك المقلي والبطاطا المقلية. يجدر بالمصرفيين السابقين الذين يبحثون عن وظيفة الآن أن يعلموا أن هذا هو ما تحصل عليه حين تقوم بالتصنيع بدلاً من قبض العلاوات.
المثال الأخير من مجموعة الخمسة هي شركة بناء، دخلت في القائمة للبرهنة على أن الأمل لم ينته بعد على حطام صناعة الإنشاءات البريطانية. شركة إي بومان هي الشركة التي تتصل بها لتنفيذ الإصلاحات إذا كنت تعيش في مسكن فخم إذا اندفعت حنفية الماء الذي يخرج من فم تمثال على شكل تمثال صغير ورشقت صحن الحساء الفاخر على الطاولة. هذه الشركة تساعد على تجديد البيوت المعروفة التي من قبيل تشاتسويرث هاوس وستروبري هيل، وهو المكان القوطي الطراز الذي كان يعيش الكاتب الروائي المعروف هوريس وولبول. ازدادت مبيعات الشركة بمقدار مليوني جنيه استرليني، لتصل إلى 11 مليون جنيه في السنة المنتهية في آذار (مارس). يقول تريفور جاكسون، الذي كان يعمل نجاراً في السابق ويتولى الآن إدارة الشركة: "عليَّ أن أقرص نفسي باستمرار".
أتمنى لو كنت قادراً على استخلاص دروس من هذه الحالات التي عرضتها حتى تستلهمها الشركات الغارقة في آثار التراجع الاقتصادي. ولكن النصيحة الوحيدة، والتي لا فائدة منها نهائياً والمستخلصة من الشركات الخمس الناجحة هي "لا تبدأ من حيث أنت الآن". جميع هذه الشركات تعمل منذ عقود، وهذا يؤدي بالشركة إلى الصلابة وقوة التحمل. على سبيل المثال فإن السيد تمبسون صانع أحذية تمارس عائلته الصنعة منذ أربعة أجيال. كذلك فإن العلامات التجارية ونماذج الأعمال هي تقليدية أيضاً. ولا يوجد بينها شركة لها موقع على إحدى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.
شركة باوند لاند، التي بدأت العمل في عام 1991، ربما تبدو كأنها من محْدَثي النعمة. ولكن محلات التجزئة التي تبيع كل شيء بسعر واحد في بريطانيا تعود إلى 125 سنة، حيث كانت أصولها في الأكشاك التي تبيع كل شيء بقرش في سوق مدينة ليدز، وهي الطريقة التي بدأت منها المحلات الشهيرة "ماركس آند سبنسر". إذا كان هناك أي درس مستفاد من "مجموعة الخمس"، فهو أن عليك أن تسعى بعملك بإصرار لا يكل ولا يمل مع الانتباه للتفاصيل. وهذه النصيحة تشي بأنها شبيهة بنصيحة رعاية الحديقة المنزلية التي يفترض أنها جاءت على لسان أحد العاملين في رعاية الحدائق في جامعة أكسفورد: "قم بجز الأعشاب والنباتات وافرش القش. ثم كرر ذلك لمدة 900 سنة."