يدور الحديث كثيرا في الآونة الأخيرة عن منظومة البلوكشين « سلسلة الكتل»، وما يميز البلوكشين أنها منصة لامركزية وذلك لأنها عبارة عن كتل «صناديق» قائمة بذاتها وفي الوقت نفسه متصلة ببعضها كسلسلة. ويمكن، في داخل كل من هذه الكتل، الاحتفاظ بالبيانات «داتا» وحمايتها الحماية التامة. ولهذه الخاصية، بدأت العديد من القطاعات في تطبيقها والاعتماد عليها في أعمالهم. وعلى رأس القطاعات، التي بدأت تطبيق منظومة البلوكشين، نجد الشركات المالية والبنوك التي دائما ترغب في تدشين شبكة قوية للهوية الرقمية لديها عن طريق التقنية الحديثة التي توفرها البلوكشين نظرا لاعتمادها على حسابات وتراخيص مرتبطة بالتقنية. وهذا يوفر إدارة آمنة للبيانات «داتا» دون الكشف عنها لأي طرف ثالث. وبالطبع، الاستفادة من هذه التقنية يعطي مزية إضافية للشركات وخاصة البنوك التي تتنفس مبدأ «السرية الآمنة».
منظومة البلوكشين تمثل إضافة حقيقة للثورة التقنية التي نعايشها في كل مرافق حياتنا الرقمية، وهي حقيقة، ثورة رقمية إضافية في جمع البيانات والمعلومات. وتعمل الحكومات والسلطات الرقابية، بكل اجتهاد، بحثا عن الاستفادة من هذه التقنية في البنوك والمؤسسات المالية والمحاسبة والتدقيق وكذلك في نظم الحوكمة الرقمية المؤتمتة. وأيضا يمكن الاستعانة بها في تحليل البيانات والمعلومات في قطاعات حيوية أخرى كالنقل والزراعة والصناعة والمالية وأعمال التأمين والرعاية الصحية وغيرها، بغرض بحث السبل والبدائل لتطوير خدماتها واستمراريتها لتحقيق الاستدامة. وفي واقع الأمر، ومنذ مدة طويلة، تحاول العديد من الشركات والمؤسسات عمل سجلات ومخازن للبيانات، ولكن هناك مخاطر عديدة منها الاستيلاء عليها وسرقتها أو اختراقها وتسريبها وكشفها بسوء نية. وفي المقابل والجديد، نجد أن استخدام البلوكشين يضمن عدم المركزية (لا مركزية) في تخزين البيانات مما يقلل من المخاطر لحد كبير. وهذا الأمر هام جدا للبنوك وشركات التأمين لخصوصية البيانات وارتباطها المباشر مع الزبائن، والسرية والأمان يشكلان محور العلاقة وجوهرها.
من الناحية الفنية التقنية، يقول الفنيون، إن التحكم اللامركزي يشبه العمود الفقري الرقمي لقواعد البيانات المركزية التي تشهد درجة عالية من الحماية وتتحكم الحكومات ومؤسساتها المختلفة في قواعد البيانات من وقت لآخر لحمايتها ضد هجمات القرصنة الإلكترونية عبر برامج حماية يتم تحديثها باستمرار خشية الاختراق. ولكن بالرغم من ذلك، تتم بعض الاختراقات لأعتى وأقوى المؤسسات وهذا يحدث يوميا وحتى من بعض الهواة. وبالنسبة للمؤسسة «المعنية»، يكون العمود الفقري الرقمي لها مخترقا، لأن النسخة الرئيسية تكون مرئية على الخوادم بواسطة جميع المستخدمين، وعند تعديلها، يرى الجميع النسخة الجديدة المعدلة. ولكن في البلوكشين، يتم تسجيل التعديل والتحديث بشكل مستقل ليصبح سجلا رسميا بدلا من نسخة رئيسية «ماستر كوبي». وهذا الاختلاف يجعل تقنية البلوكشين تكنولوجيا مفيدة وتمثل إبداعا في سجلات المعلومات وتنظيم العلاقات الرقمية مما يؤكد إحداثها ثورة تقنية جديدة، إضافة لحماية سرية المعلومات وشفافيتها واللامركزية في التحكم. وكل هذا يمنح تقنية البلوكشين الثقة الرقمية الإلكترونية في عالمنا الرقمي، لأنها تعطي الثقة المتعلقة بإثبات الهوية «التوثيق» والتصريح للتأكد من هوية المسجل أو المستخدم في إحدى الشركات. إضافة أن البلوكشين يوفر تشفير المفاتيح الخاصة كأداة ملكية قوية لتحقيق متطلبات التوثيق، وتحول هذه الأداة دون مشاركة أي شخص لبياناته الخاصة، وبالتالي، تتوفر حماية أكبر ضد استيلاء القراصنة وغيرهم على هذه البيانات.
إن استخدام البلوكشين في العديد من المؤسسات الكبيرة، أصبح أمرا واقعا. ولكن من السابق لأوانه الحكم على آثار هذا الاستخدام وبالطبع هناك حاجة للمزيد من الوقت للتقييم الشامل لما حدث ويحدث في هذا المجال التقني الحيوي، وبما في ذلك الاستخدامات غير المرخصة مثل «البتكوين» وغيرها من العملات الرقمية المشفرة. ومن دون شك، هناك عدة أمور لا بد من أخذها في الاعتبار لتقييم مدى فائدة هذه التقنية للمؤسسات التي تستخدمها. ومن أهم الأمور وجود التشريعات الملائمة التي تضمن توفير الحماية القانونية للأطراف المرتبطة بتقنية البلوكشين. إن التطور التقني لا يخلو من المخاطر الفنية والتشغيلية والإدارية والقانونية، وكل هذه المخاطر تحتاج لإدارة سليمة للخروج بأفضل النتائج مع توفير الحماية والممارسات والضمانات القانونية. لنستعد ولنعمل كل السبل للاستفادة، في مؤسساتنا في كل القطاعات، من كل التطور التقني الذي نشهده في كل يوم. ولكن، لا بد من تطوير الأطر القانونية لتتماشي مع هذه التطورات التقنية وكذلك لتقدم لها الحماية القانونية المطلوبة للمزيد من التطور والانطلاق نحو المزيد من التقدم التقني الذي ننشده لمستقبل أفضل وآمن.