نظرة عامة حول الترجمة : مفهومها و انوعاها و نظرياتها
ما الترجمة؟
يمكن في الواقع تقسيم الترجمة إلى قسمين رئيسين, الترجمة التحريرية والترجمة الشفهية. وتعرف الترجمة الشفهية بعدة أنواع هي الترجمة الفورية, والترجمة التتبعية, والترجمة الثنائية. أما الترجمة التحريرية فيقصد بها ترجمة النصوص المكتوبة بأنواعها, وتتنوع الصعوبات فيها بتنوع النصوص المترجمة فهي تنقسم أيضا إلى قسمين رئيسين: الترجمة الأدبية والترجمة العلمية أو المتخصصة. وتعرف الترجمة التحريرية بأنواع كثيرة أهمها الترجمة الحرفية, والترجمة الحرة أو بتصرف, والترجمة التفسيرية, والترجمة الدلالية, والترجمة التواصلية.؟؟؟؟
إن ما دعانا إلى هذا التوضيح الموجز لأهم أنواع الترجمة وطرقها هو ما لاحظناه لدى كثير من الطلاب والدارسين الذين يخلطون بين نظريات الترجمة وطرقها, والذين يطلقون على الترجمة الحرفية أو الحرة أو الدلالية أو التواصلية مصطلح نظريات الترجمة, وهذا خطأ واضح, فعندما نترجم نصا ما كلمة كلمة فإننا نستخدم الترجمة الحرفية, وعندما ننقل المعنى ونراعي الدلالات المعجمية والبنى النحوية ؟؟ فإننا نستخدم الترجمة الدلالية, وعندما نقوم بتحقيق المطابقة في التأثير على القارئ فإننا نستخدم الترجمة التواصلية, فهذه يطلق عليها أنواع أو طرق الترجمة ولا مجال للنظرية هنا.
نظريات الترجمة :
لقد مرت نظرية الترجمة منذ نشأتها إلى يومنا هذا بثلاث مراحل:
المرحلة ما قبل اللسانية :
التي دامت حتى مطلع القرن العشرين, والتي تميزت بمقاربة فقه لغوية وفلسفية كان يقوم بها مترجمون يرمون من ورائها إلى تعميق معرفتهم بعملهم والتبحر فيه,
المرحلة اللسانية :
التي دامت حتى الستينيات, والتي تميزت بتحليل الظاهرة الترجمية تحليلا علميا وبتمحيص وقائعها على مستوى اللسان.
المرحلة ما بعد اللسانية : التي ابتدأت منذ سبعينيات القرن العشرين, والتي تميزت بمحاولة التركيب بين المقاربتين السابقتين وبنظرية التواصل والنصية. وقد كانت المرحلة الأخيرة رد منظري الترجمة وممارسيها (أمثال نايدا Nida, وسيليسكوفيتش Seleskovitch , ولادميرال Ladmiral على أطروحة اللسانيين أمثال فيدروف Fedrov , وفيني وداربلنيه Vinay et Darbelnet , ومونان Mounin , وكاتفورد Catford) التي تعتبر الترجمة ظاهرة لسانية, وعلى أطروحة التجريبيين (من أمثال كاري Cary , وشتاينر Steiner , وميشونيك Meschonnic)
ويمكن القول إننا نقترب في الوقت الحالي من نظرية فريدة وكلية في الترجمة, وإن هذه الظاهرة المعقدة والمركبة تدفع ببعض الباحثين إلى أن يفضلوا في دراساتهم العناصر اللسانية, ويدفع بالبعض الآخر إلى تفضيل المحتويات المعرفية, ويدفع بسواهم إلى تفضيل المظاهر الإيناسية,?? ويدفع بغير هؤلاء وأولئك إلى تفضيل الفروق والتلوينات الأدبية, وهلم جرا. وقد تمخض عن ذلك عدة مناهج في الترجمة لخصها لنا كل من نيوبرت وشريف Albert Neubert & Greory M. Shreve
في كتابهما المعنون " الترجمة وعلوم النص " , وهذه المناهج هي: النقدي, والعملي, واللغوي, ومنهج لغويات النص, والثقافي الاجتماعي, والحاسوبي, واللغوي النفسي. وقد درس المؤلفان هذه المناهج دراسة نقدية, وخلصا إلى القول: "يمكن لكل منهج من هذه المناهج أن يساهم في بناء نظرية أكثر طموحا وأكثر ملاءمة وتكاملا حول الترجمة من دون أن يتخلى عن وجهة نظره الخاصة " (2).
و مع ذلك, إننا نرى الآن أن معظم منظري الترجمة الذين ينتمون إلى آفاق مختلفة, ويتباينون في ما يستعملون من مصطلحات, وما يضعون من تصنيفات, يتفقون في الجوهر, على اعتبار الترجمة ظاهرة واحدة وفريدة, وإن تعددت وجوهها, فهي في نظرهم, نظرية:
تتلخص :
أ- تتلخص في تحوير جوهر النص الذي يشتمل على عناصر دلالية وأسلوبية, ؟؟؟
ب- تتم على مستوى العبارة المحققة,
ت*- تهدف إلى التواصل,
ث- يتحقق فيها الفهم بواسطة التأويل.
وليس غريبا أن يكون الباحثون الذين احتاروا في أمر هذه الظاهرة وتعقدها, هم البادئون إلى تفكيكها, وليس غريبا أيضاً, أن يحاول المختصون في علوم أخرى, كاللسانيات والإيناسة بصفة عامة, تحليل بعض جوانب هذه الظاهرة. إلا أن علم الترجمة traductologie صار يحدد موضوعه, وينشئ مناهجه الخاصة به, مرتقيا, بالتدريج, إلى مرتبة تخصص علمي قائم بذاته.
وسوف نحاول في السطور التالية أن نعرض لأهم النظريات في الترجمة, لاسيما النظرية اللغوية والنظرية التفسيرية.
يعتبر كل من فيدروف وفيني وداربلنيه ومونان وكاتفورد كما ذكرنا من أوائل من دافع عن النظرية اللغوية في الترجمة التي تفترض أن النص الذي يترجم يتكون من الكلمات, وأن هذه الكلمات هي المادة الموضوعية الوحيدة التي تتوفر بين يدي المترجم الذي يقوم عمله على ترجمة هذه الكلمات, ويركز انتباهه على اللغة بمعناها السوسوري نسبة إلى سوسور Saussure).)
يرى فيدروف أن عملية الترجمة عملية لغوية في المقام الأول, وأن كل نظرية في الترجمة يجب أن تدرج في عداد المواد اللسانية. ويطالب فيني وداربلنيه بإدراج الترجمة في إطار اللسانيات, ويقترحان سبع طرق للترجمة وهي الاقتراض أو الدخيل, والنسخ, والترجمة الحرفية, والتحوير, والتكييف, والتعادل, والملاءمة أو التصرف, ويميزان تمييزاً واضحاً بين الفرنسية والإنجليزية. والواقع أن الأسلوبية المقارنة التي يقترحانها هي مادة تلي الترجمة ولاتسبقها, ولايمكن بالتالي أن تكون طريقة لها.
و يقرر مونان في القسم الأول من كتابه المسائل النظرية في الترجمة
أن "الترجمة احتكاك بين اللغات ولكنها حالة قصوى من الاحتكاك يقاوم فيها المتكلم ثنائي اللغة كل انحراف عن المعيار اللغوي, وكل تداخل بين اللغتين اللتين يتناوبهما", ويقترح أن "تدرس اللسانيات المعاصرة مسائل الترجمة بدلا من أن تبقى الترجمة وسيلة إيضاح لبعض المسائل اللسانية". ويجيب مونان في الفصل الثاني عن السؤال التالي: هل الدراسة العلمية لعملية الترجمة جزء من اللسانيات؟ وتبدأ إجابته بعرض الخلاف بين المترجمين الذين يقولون إن الترجمة فن لا ينحصر داخل حدود اللسانيات, وبين اللسانيين الذين يدعون إلى اعتبار عملية الترجمة عملية لسانية في المقام الأول, ويتخذ موقفا توفيقيا بين الطرفين فيقر بأن الترجمة "فن كالطب, ولكنها فن مبني على علم" هو علم اللسانيات.
وأما كاتفورد فإنه يضع الترجمة في كتابه نظرية لغوية في الترجمة في إطارها الصحيح, وذلك على مستويين: مستوى اللغة الصرف, ومستوى التعبير الكلامي. فهو يهتم على المستوى اللغوي الصرف بجميع مكونات النص, من صوت وحرف وكلمة وعبارة, إلا أنه يتجاوز ذلك إلى مستوى المعنى الذي تهدف إليه العبارة, وقد توصل إلى نتيجة في غاية الأهمية, تضع الترجمة بين حدين رئيسين: الحد الأصغر, وهو السمة, والحد الأكبر وهو المعنى, يؤطرهما مفهوما التكافؤ والتناظر اللذان بدونهما لا تبلغ عملية الترجمة درجة الكمال, إلا أن هذه العملية ليست نقلا على المستويات المفرداتية والمعجمية بقدر ماهي "استبدال" لنص كتب في لغة معينة بنص آخر كتب في لغة أخرى. يقول كاتفورد: " إنه من الضروري لنظرية الترجمة أن تستند إلى نظرية في المعنى. ومن دون نظرية كهذه تظل عدة مظاهر محددة وهامة في عملية الترجمة غير قابلة للمناقشة"
ومن الذين أكدوا على على أهمية نقل المعنى وضرورة إعطائه الأولوية على سائر العناصر الأخرى نايدا الذي ساهم في تطوير نظرية المعادل الديناميكي, حيث يرى أن طبيعة الترجمة تقوم على إعادة إنتاج الرسالة بأقرب معادل لها في لغة الهدف وذلك في ما يتعلق بالمعنى والأسلوب, ويعني بذلك أن يسعى المترجم إلى إيجاد معادل للنص الأصلي وليس إلى إيجاد نص مطابق له, ذلك لأن اللغات تختلف في وسائل تعبيرها, ولايمكن أن تتطابق تطابقا كاملا. ويعتبر بيتر نيومارك Peter Newmark أيضا من أنصار النظرية اللغوية بدفاعه عنها دفاعا قويا في كتابه المعنون كتاب في الترجمة A Textbook of Translation , وقوله: "نترجم الكلمات لأن ليس هناك شيئ آخر نترجمه, لا يوجد على الصفحات سوى الكلمات, فقط لاغير" ). أنصار النظرية اللغوية )
ويرى نيومارك أن اهتمام نظرية الترجمة ينصب بشكل رئيس على طرائق الترجمة التي تناسب أكبر عدد ممكن من أنواع نصوص الترجمة أو فئاتها, وأنها تقدم لنا إطار عمل من المبادئ والقواعد المحددة والتلميحات لترجمة النصوص ولنقد الترجمات, أي أنها تقدم لنا خلفية لحل المشكلات المتعلقة بالترجمة. و تبين لنا النظرية أساليب الترجمة الممكنة وتقدم الحجج المؤيدة أو المعارضة لاستخدام ترجمة بدلا من أخرى في سياق معين. ويضيف أن نظرية الترجمة تعنى بالخيارات والقرارات, وليس بآليات أي من اللغتين, وتحاول تقديم أفكار مفيدة حول العلاقة بين الفكرة والمعنى واللغة, وحول المظاهر أو الجوانب العالمية والثقافية والفردية للغة والسلوك, أي فهم الثقافات, وحول تفسير النصوص التي يمكننا توضيحها بل وحتى استكمالها أو الإضافة إليها عن طريق الترجمة. وهكذا نجد أن نظرية الترجمة تغطي مجالا واسعا وتحاول دائما أن تثبت فائدتها, وأن تعين المترجم بتحفيزه على الكتابة بشكل أفضل وعلى اقتراح النقاط المتفق عليها حول مشكلات الترجمة العامة, "فالافتراضات والأفكار حول الترجمة لاتنبع عادة إلا من الممارسة, كما يجب ألا تطرح هذه المقترحات والأفكار دون أمثلة من نصوص أصلية مع ترجماتها" .