جميعنا نعلم ان الحوادث البيئيه سواءا كانت متعمده او طبيعيه فانها تحدث ابعاد واثار كبيره, والتي من الممكن ان تترك اثار لسنوات عديده كما حدث في كثير من دول العالم. في هذا التقرير سوف نتطرق الى التأثيرات الاقتصاديه التي تنتج من حوادث الانفجارات وكيف لهذه الانفجارات تغيير اقتصاد دوله كامله. سوف نبدأ بذكر التأثيرات:
التدمير الاقتصادي المباشر
دائمًا ما يكون تأثير حوادث الانفجارات سلبيه على الاقتصاد، حيث إن الدمار المادي سبب كبير لذلك. فيتم تدمير الموارد الإنتاجية التي كان من الممكن أن تكون قد ولّدت سلعًا وخدمات قيمة ، بينما يتم تحويل الموارد الأخرى حتى لو بشكل مؤقت، من الاستخدامات الإنتاجية الى جهات أخرى تعمل علي إحتواء الأثار السلبية لإحداث الإنفجار مثل (الجيوش والشرطة)، ومما لا شك فيه أن لا شيء من هذا يخلق الثروة أو يضيف إلى مستوى المعيشة، بل علي العكس، فتلك التحويلات فى الموارد من إستخدامات إنتاجية تعمل علي تنشيط الدائرة الاقتصادية، فتعمل علي إضعاف النمو الكلى للبلاد، وخفض الإنتاج الذى بالتباعية يؤثر علي الناتج الإجمالي المحلي.
هذا بالإضافة الي التأثير الفوري والقابل للقياس لتلك الإنفجارات وهو التدمير المادي. حيث إن تلك الانفجارات غالبا ما تكون ضمن نطاق المصانع والشركات، أو فى الطرق العامة او الموانئ، وهو ما يتسبب بمقتل أو إصابات للإشخاص والعمال وتدمير الموارد الاقتصادية الأخرى الموجودة فى نطاق الإنفجار، وهو ما يتسبب في تدمير ممتلكات تقدر بمليارات الدولارات وتقتل العمال المنتجين والأشخاص المستهلكين، مما يؤثر بشكل مباشر على أعمدة الاقتصاد من (منتج ومستهلك).
زيادة عدم اليقين في الأسواق
هناك الكثير من الجدل حول عمق التأثر الفعلي على الأسواق المالية العالمية عقب حوادث الإنفجارات سواء إذا كانت تفجيرات من قبل عمليات إرهابية، أو إنفجارات من قبل الصدفة أو الحوادث العرضية، ولكن مما شك فيه، أن الأسواق أصبحت أكثر مرونة. فنجد أن بعض الاسواق قد تستفيد بشكل جيد من تلك الانفجارات، فعلي سبيل المثال، حين يتم الإعلان عن حدوث حادث أنفجار فى دولة ما، نجد أن سوق الاوراق المالية لتلك الدولة تسجل إنخفاضات قوية وسريعة، حيث نجد أن هناك حاله من عدم اليقين وعدم الثقة تنتشر بين المتداولين وخاصاً المستثمرين الأجانب مما يدفعهم الى حاله من الذعر والتخوف، الأمر الذي بالتابعية يجعلهم يسلكوا سلوك بيعي قوي، خوفاً من حدوث المزيد من أحداث الانفجارات.
وعلى العكس، فنجد أن سوق السندات لتلك الدولة يسجل مكاسب وإرتفاعات مغرية، حيث من المنطقي أن أحداث الإنفجار، سوف تعمل عل تقليل التصنيف الائتماني لتلك الدولة، مما يجلع الدولة ترفع من عوائد السندات الخاصة بيها، لجذب المستثمرين، خاصاً بعد أن صنفت تلك السندات بأنها عالية المخاطر، كذلك نجد أن أسواق السلع وخاصاً المعدن الاصفر (الذهب)، سوف يسجل إرتفاعاً قويه، بسبب إرتفاع الطلب عليه كسلعة ملاذ أمن، حيث أن حالة القلق وعدم اليقين بين المتداولين، تعمل علي توجية فكر المستثمرين الى تحويل أموالهم وإستثماراتهم الى منتج مالي أمن ومقبول عالمياً مثل الذهب، والتخارج من سوق الأوراق المالية لحين إستقرار الأوضاع عقب أحداث الإنفجارات .
تأثر قطاع وشركات التأمين
هناك قطاع من القطاعات الرئيسية والقائم عليها إقتصاد الدول (وهو التأمين) يكون من أشد المتأثرين وبشكل خاص لتأثيرات أحداث الإنفجارات، حيث أن قطاع التأمين يعتبر أحدي وأهم القطاعات فى الدول بصفة عامة، فمن المتعارف عليه أن شركات التأمين، يقوم دورها الأساسي علي حماية الافراد والشركات من مخاطر الحوادث المستقبلية، سواء كانت حوادث متعمده او حادث ناتج عن صدفة او خطأ ما، وذلك من خلال دفع تعويض للجهات المتضرره من الإنفجارات، وهو الأمر الذى يؤثر بشكل سلبي علي شركات التأمين وبالتباعية قطاع التأمين بشكل عام، فحين نتكلم عن حدوث العديد من الإنفجارات المتتالية فى دولة ما ، وذلك خلال فتره قصيرة، وهو عكس ما تتوقعه شركات التأمين، فأن ذلك يسبب خسائر لشركات التأمين، ويرفع من تلكفه التأمين سواء للإفراد او الشركات، مما يقلل من جاذبية تلك الدولة للإعمال والإستثمار، حيث أن تكلفة التأمين تكون ضمن حسابات تكلفة الإنتاج ، وحين تكون تكلفة التأمين مرتفعة ، فذلك يعتبر إشارة سلبية وهو أمر غير محبب للمستثمرين علي حد سواء (الإفراد والشركات) .
الإجراءات الأمنية والتغيرات الإقتصادية
مما لا شك فيه، أنه خلال أوقات الإزمات مثل أحداث الانفجارات، تميل الحكومات والمواطنون بالتخلي عن الحريات الاقتصادية مقابل الأمن، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الضرائب، وارتفاع العجز الحكومي، وارتفاع التضخم. فنتيجة تلك الإنفجارات يمس بشكل مباشر وغير مباشر كافة قطاعات الدولة، وهو الأمر الذي يستجوب من الحكومات فى بعض الأحيان تطبيق ضوابط على الأسعار، وتدخل من قبل البنوك المركزية فى السياسات المالية والنقدية، وذلك تجنباً للأثار السلبية لتلك الانفجارات.
فالحكومات أقل فاعلية في إدارة الموارد للنشاط الاقتصادي مقارناً بالأفراد، خاصة عندما يتم توجية تلك الموارد لتحقيق هدف أمنى استراتيجي. وهنا يعاني الاقتصاد الخاص. كما أوضح الخبير الاقتصادي والمؤرخ روبرت هيجز في كتابه "أزمة وليفياثان"، فإن العديد من الضوابط والتدخلات الحكومية تظل سارية بعد فترة طويلة من انتهاء الأحداث الإنفجارية.
التأثيرات السياسية والفوضى الشعبية
الخطر الأخير على الاقتصاد من تلك الإحداث الإنفجارية هو خطر سياسي، حيث أن تلك الإنفجارات غالباً ما تكون ناتجة عن أم خطأ بشرى غير مقصود أو فساد إدارى كما هو الحال فيما حدث فى إنفجار مرفأ بيروت الإسبوع الماضى، فنجد أنه فى بعض الأحيان قد تقوم الحكومات بالإستقاله من مناصبها، وفى إحيان أخرى نجد أنه يتم محاسبة المسئولين عن تلك الإخطاء أو الفساد، ومع وجود العديد من الوفيات والإصابات بين الإشخاص، بالإضافة الى خسائر مادية بمبالغ طائلة سواء لأفراد او المؤسسات، فنجد أن كل تلك الأمور تعمل علي تحريك المشاعر الجماعية وإستياء الإفراد مما قد يدفعهم بالخروج فى مظاهرات وإحتجاجات أعتراضاً علي ما حدث ، وللمطالبة بمحسابة المسئولين عن أحداث الإنفجار.
ومما لا شك فيه، أن كل تلك التحركات السياسية سواء على المستوي الحكومي أو المستوى الشعبي، تعمل على وجود حاله من عدم الإستقرار وعدم اليقين، وعدم الشعور بالإمان لدى المجتمع بصفة عامه، وهو ما يؤثر بشكل مباشر فى العجلة الإقتصادية، سواء من حيث توقف الجهات الحكومية عن القيام بدورها بسبب الاستقالات، بالإضافة الى انشغالها من حيث الجهات الأمنية، مما يسبب المزيد من العبء على كاهل الدولة.
أو بشكل أخر، من حيث التحركات الشعبية والجماهرية، وظهور العديد من المظاهرات والإحتجاجات، والتى قد تطول الى أسابيع وشهور، وهو الأمر الذي يتسبب في تعطل العديد من قطاعات الدوله، وتوقف حركة التجارة والإنتاج والتصنيع، الذي يؤثر بالتبايع على دائرة الاستهلاك.
وأخيرا، وعقب ما تم إستعراضة فيما سبق، دعونا الأن ننظرالى إنفجار مرفأ بيروت والذي إستفاقت علية الأسواق خلال الأسبوع الماضي، وفى نفس السياق، وعلى ذات المعاير، دون نلقى نظرة ونعرف كيف أدي إنفجار مرفأ بيروت الى تفاقم أزمة لبنان الإقتصادية
حيث كان الانفجار الذي ضرب بيروت يوم الثلاثاء 4 أغسطس قوياً لدرجة أنه شعرت بالصدمة في جزيرة قبرص، وذلك على بعد أكثر من 200 كيلومتر. حيث قُتل 135 شخصًا على الأقل وأصيب 5000 في الانفجار. ومم الجدير بالذكر أنه سيكون من الصعب التعامل مع هذا الدمار في أفضل الأوقات، ولكنه ضرب العاصمة اللبنانية في خضم أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا.
فساد سياسي وإقتصاد رديء
ومن الجدير بالذكر أنه قبل الانفجار، تراجعت العملة اللبنانية إلى مستويات قياسية متدنية، حيث فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها منذ أكتوبر 2019. وقد تم ربط الليرة اللبنانية رسمياً بالدولار الأمريكي منذ عام 1997 بمعدل 1500 ليرة لبنانية إلى دولار واحد، ولكن سعر الصرف هذا ظل لفترة طويلة غير مقبول.
سعر الصرف في لبنان
ويرجع ذلك إلى أن مستويات الدين الحكومي للأمة كانت لسنوات من بين أعلى المستويات في العالم، وكذلك عجز الحساب الجاري (الفرق بين واردات الدولة من السلع والخدمات والصادرات). حيث ينتج لبنان القليل ويعتمد بشكل كبير على الواردات، بما في ذلك معظم المواد الغذائية. مما جلعها تقترض بكثافة لدفع ثمن هذه الواردات.
وهو الامر الي عادة ما يدفع رأس المال لمغادرة البلاد، مما يجعل قيمة العملة تنخفض. لكن لسنوات، ولتجنبت البلاد هذا المصير. كانت البنوك المحلية سعيدة بإقراض الحكومة لأنها كانت تحصل على أسعار فائدة مرتفعة للغاية. حيث عززت حقيقة أن العديد من السياسيين لديهم حصص في البنوك.
ومع ذلك، بحلول عام 2016، بدأ حتى المغتربون المخلصون في البلاد يتأرجحون بشأن إيداع الأموال في لبنان، وتفاقمت العلاقات مع الخليج. وتباطأت تدفقات رؤوس الأموال إلى لبنان. وفى محاولة الحفاظ على تدفق الأموال، انخرط البنك المركزي في ترتيبات اقتراض معقدة مع البنوك المحلية التي وصفها بأنها "هندسة مالية" لكن النقاد وصفوها بمخطط بونزي.
وبالرغم من كل تلك الترتيبات، لم يتم استعادة الثقة الاقتصادية بالبلاد وبحلول سبتمبر 2019، لم يعد بإمكان البنك المركزي وقف تدفق الأموال التي تغادر البلاد. ومع هروب رأس المال على قدم وساق، بدأت البنوك تقنين مبلغ الدولارات التي يمكن للناس سحبها من حساباتهم. مما أدى احتمال عدم قدرة المدخرين اللبنانيين على الوصول إلى الدولارات التي حصلوا عليها بشق الأنفس أو فقدان قيمة الليرات اللبنانية.
ولزيادة الإيرادات وتقديم صورة أكبر من النزاهة المالية، اقترحت الحكومة بعد ذلك ضرائب جديدة على التبغ والبنزين والمكالمات الصوتية عبر خدمات الرسائل مثل WhatsApp. وكانت هذه الإجراءات هي القشة التي قسمت ظهر البعير. حيث نزل الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على الضريبة إلى جانب قضايا الفساد الأوسع نطاقا، مما أجبر الحكومة على الاستقالة. لكن العملة تراجعت مع فشل الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء المقبل حسان دياب في تطوير استراتيجية متماسكة لمعالجة مشاكل البلاد.
ومما لا شك فيه أن انهيار الليرة اللبنانية يعني أن الواردات أصبحت باهظة الثمن. مما يرتفع معدل التضخم بشكل كبير، مما تسبب في مستويات غير مسبوقة من الصعوبات الاقتصادية للعائلات اللبنانية. حيث تشير تقديرات البنك الدولي قبل ظهور فيروس كورونا والمأساة الأخيرة إلى أن الفقر قد يرتفع من ثلث السكان إلى 50٪.
ومن الجدير بالذكر إن انهيار النظام المالي في لبنان هو أحد أعراض فشل أوسع للحكم، والذي يعود إلى السياسات التي تم تبنيها بعد نهاية الحرب الأهلية في البلاد في عام 1990. حيث تجند الطبقة السياسية في لبنان نفسها من مجموعة ضيقة من العائلات.
وهم يزعمون أنهم يمثلون العديد من الطوائف في لبنان ويتم تقاسم المناصب الحكومية وفق صيغة صارمة تستند إلى الطوائف الدينية في البلاد. حيث يمكّن هذا النظام السياسيين من تقسيم الغنائم الاقتصادية وإثراء أنفسهم - تمامًا كما فعلوا مع أرباح البنوك التي يمتلكون حصصًا فيها.
إنفجار مرفأ بيروت يكشف الوجة القبيح لسياسي لبنان
ومما لا شك فيه، إن انفجار المرفأ يتناسب مع نمط الحكم الفاشل في لبنان. حيث تشير التقارير الأولية إلى أن مسؤولي الميناء كانوا على دراية بالمخاطر التي يشكلها مخزن نترات الأمونيوم الذي تسبب في الانفجار. ووحده التحقيق غير المتحيز يمكن أن يكشف المسؤولية الكاملة. وإن الإهمال وعدم الكفاءة في مركز هذه الكارثة هما نموذجان للفشل الذي لا يحصى والذي يتكرر عبر البلاد منذ سنين
وقد تظهر الحلول بينما ينظر الكثير من اللبنانيين إلى ما وراء دولتهم الفاشلة والسياسيين الفاسدين. في اليوم التالي للانفجار، حيث امتلأت شوارع بيروت بأصوات الزجاج المتطاير حيث عمل الآلاف من الناس معًا دون دعم كبير من الاحزاب الرسمية. لكن الدمار واسع الانتشار. حيث تضررت المساكن في دائرة نصف قطرها ستة أميال وتشير التقديرات الأولية إلى أن 300 ألف شخص بلا مأوى والمستشفيات التي كانت تكافح بالفعل للتعامل مع الموجة الأولى من حالات الإصابة بـ COVID-19، تجاوزت طاقتها الاستيعابية.
المساعدات الدولية تتدفق الى بيروت
وهناك مخاوف بشأن الإمدادات الغذائية حيث تضرر صومعة القمح الوطنية وتضرر ميناء بيروت، الأمر الذي سيحد من قدرة الحكومة على استيراد الغذاء. كما سيؤثر الإنفجار على 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان و270.000 لاجئ فلسطيني.
ومن الجدير بالذكر أن، العديد من الحكومات الأوروبية والعربية قد سارعت إلى تقديم مساعدات طارئة لبيروت للتعافي. حيث تعد حزمة الإنقاذ المحتملة من صندوق النقد الدولي بتوفير الأموال التي تشتد الحاجة إليها ولكنها ستفرض أيضًا التقشف والخصخصة. وذلك عقب انهيار المفاوضات الأخيرة مع الصندوق بسبب عدم قدرة السياسيين اللبنانيين على تشكيل جبهة موحدة.
ويبدو المستقبل القريب قاتماً ومن المرجح أن يشهد هجرة واسعة النطاق. حيث أدى الانفجار إلى تآكل الثقة الضئيلة لدى المواطنين في طبقتهم السياسية، والحلول طويلة الأمد لا تتطلب أقل من تغيير سياسي أساسي.