في العام الماضي شرعت "إيفرغراند" (Evergrande) في بناء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، ولكن الشركة باتت اليوم على شفا الإفلاس، فما الذي قلب أحوالها بهذا الشكل؟

تقول الكاتبة إيما دونكان، في تقرير نشرته صحيفة "التايمز" (the times) البريطانية، إن ملعب فريق غوانزو إيفرغراند انطلقت أشغال بنائه في أبريل/نيسان من العام الماضي، وقد تميز بتصميم عمراني مبهر، وسمي زهرة اللوتس.
وتضيف الكاتبة أن مشروعا بهذا الحجم يفترض أن يستغرق 10 سنوات حتى يكتمل، ولكن في الصين كان مبرمجا أن يستقبل هذا الملعب المباريات والجماهير بدءا من عام 2022.
هذا المشروع مثّل ذروة 10 سنوات من الاستثمارات التي أنجزها عملاق العقارات الصيني "إيفرغراند"، في نادي كرة القدم لمدينة غوانزو، ويأتي ذلك في إطار سعي الشركة لتحقيق رؤية الرئيس شي جين بينغ المتعلقة بإظهار القوة والعظمة الصينية في مجال الرياضة، إلا أن الأشغال توقفت فجأة، والشركة باتت على شفا الإفلاس.
وتضيف الكاتبة أن دائني إيفرغراند لم يتمكنوا في الفترة الماضية من تحصيل 83 مليون دولار كفوائد على السندات، كما أن وكالة "فيتش" للتقييم صنفت الشركة على أنها عاجزة عن السداد، وفي المجمل تبلغ ديون إيفرغراند 300 مليار دولار، منها 366 مليونا يجب دفعها هذا العام.
وفي محاولة لتجنب الانهيار، شرع هوي كا يان مؤسس الشركة في بيع أسهمه، كما قامت إيفرغراند ببيع بعض الأراضي بتخفيض بلغ 70%، ودفعت لبعض المزوّدين عقارات غير مكتملة عوضا عن المال، وفي المحصلة يبدو أن العجز عن السداد بات الآن أمرا لا مفر منه.
إلا أن حملة السندات ليسوا الضحايا الوحيدين، ففقدان السيولة المالية أجبر الشركة في الشهر الماضي على وقف أعمال البناء في 800 مشروع، وهذا يعني أن 1.5 مليون شخص دفعوا مقدّما للحصول على منازل يواجهون خطر خسارة مالهم، وقد خرج هؤلاء في العديد من المدن الصينية للاحتجاج أمام مكاتب الشركة.
انهيار عملاق العقارات الصيني إيفرغراند أثّر في الاقتصاد العالمي (الفرنسية)
توترات في قلب الصين
وترى الكاتبة أن هذا المصير الذي تواجهه شركة إيفرغراند ليس مجرد نتيجة لركود سوق العقارات، بل إن المشكلة تكمن أساسا في التوترات بين الرأسمالية والشيوعية، وهي توترات تدور في قلب دولة الصين الحديثة.
فهذا البلد على مدى العقود الأربعة الماضية تبنّى نموذجا اقتصاديا رأسماليا، أدى إلى ظهور شركات من أمثال إيفرغراند، ولكن الرئيس شي جين بينغ يعمل الآن على تغيير الوجهة، باعتبار أنه يؤمن بالفكر الماركسي ويرى أن الاستثمار في المضاربة العقارية يمثل "نشاطا اقتصاديا وهميا" يضرّ بالقطاعات الاقتصادية المنتجة على غرار التصنيع والتكنولوجيا.
ومع هذه النقلة نحو قطاعات أخرى أكثر إنتاجية، تعرضت شركات العقارات لنكسة كبيرة.
وتنبّه الكاتبة إلى أن مصير إيفرغراند لا يهمّ فقط الصينيين، بل إن هنالك سببين يجعلان كل العالم يتابع أطوار هذا الانهيار، فأولا يمكن القول إن أزمة إيفرغراند أثّرت في أسواق الأسهم في الصين، وهذا القطاع معولم على نحو كبير، ومن ثم فإن كل الدول يمكن أن تتأثر به.
ثانيا: التوترات بين الرأسمالية والشيوعية في أحد قطبي العالم ربما تمثل أغرب حبكة سياسية في عصرنا الحالي، وهي تدور الآن أمام أعيننا، وإيفرغراند ليست إلا أحدث حلقات هذا المسلسل، والطريقة التي تنتهي بها هذه الأزمة ربما تحدد شكل العالم في القرن المقبل.
فمؤسس إيفرغراند ولد في مقاطعة هينان من عائلة فقيرة، حيث كان والده يعمل في قطع الأعشاب، وأمه توفيت وهو صغير، لتتكفل به جدّته.
وفي خطاب نادر ألقاه في 2018، قال هوي "في المدرسة كنت أحصل فقط على البطاطا الحلوة والخبز، وكنت أحلم بمغادرة القرية".
وقد نجح هوي فعلا في الذهاب إلى الجامعة والتخرج، وانتقل إلى مدينة شينزن القريبة من هونغ كونغ (مركز المال والأعمال)، وهناك أسس في 1996 شركة العقارات.