متلئ منتديات الفوركس بقصص المتداولين الذين فقدوا كافة أموالهم بسبب تراكم خسائرهم في سوق العملات. هناك أيضاً العديد من القصص المتداولة حول بعض شركات وول ستريت التي خسرت ملايين الدولارات. ويفاقم غياب القوانين المنظمة مخاطر التداول في سوق الفوركس فضلاً عن وجود عدد كبير من الوسطاء المحتالون والذين لا هم لهم سوى اصطياد المتداولين عديمي الخبرة بهذا العالم الواسع. وأخيراً، لا يمكن التغافل عن صعوبة أن يتنافس المتداول الفرد مع المؤسسات المالية الكبرى بما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة وأدوات لتحليل السوق، ناهيك عن قدرتها على الحصول على معلومات لا يصل إليها سوى عدد محدود من اللاعبين الكبار. ولكن بالرغم من كل هذه العيوب، تظل سوق الفوركس مغرية لعدد هائل من الأشخاص الذين يبحثون عن فرصة لكسب الأموال وتحسين مستوى معيشتهم. نعود مرة أخرى لطرح نفس السؤال، هل يستحق تداول الفوركس كل هذا العناء؟ أو بعبارة أخرى، هل سوق الفوركس ليس أكثر من سراب يراود المتداولين الحالمين؟ دعنا نجيب على هذا السؤال في السطور القادمة.

يمكن أن نطلق على أي مهنة أنها مربحة وتستحق الجهد والمخاطر التي تُبذل من أجلها عندما تكون:

قادرة على تحقيق أرباح أعلى من المتوسط.
توفر أوقات فراغ كافية.
تبقي على الضغوط البدنية والذهنية عند حدها الأدنى.
لا تنطوي على منحنى تعليمي حاد.
تتطلب حد أدنى من مخصصات الاستثمار.
دعنا نقيم ما إذا كانت تجارة العملات تستحق المخاطرة استناداً إلى العوامل السابقة.

احتمالات الربح
حين يبحث المتداول المبتدئ عن نصائح الآخرين حول فرص كسب الأموال في سوق العملات الأجنبية، فإن الشخص الذي يقدم له هذه النصيحة سوف يخبره على الأرجح بوجود فرص لا محدودة لتحقيق الأرباح. وفي معظم الأحوال، ستكون هذه الإجابة كافية للشخص الذي يسعى للحصول على المشورة كي تراوده أحلام شراء سيارة فيراري أو لامبورجيني. ولكن إذا سألنا نفس الشخص الذي أعطى هذه النصيحة عن مقدار الأرباح التي حققها حتى الآن، فسنلحظ على الفور تغير في تعبيرات وجهه. وفي العادة سيخبرنا أنه قد ضاعف رأسماله ولكن خسره لاحقاً بسبب سوء الحظ في إحدى الأيام أو لأن السوق عكس وجهته بينما كان يغط في نوم عميق، وغيرها من الحجج الواهية. يوفر سوق الفوركس بلا شك فرص لا محدودة لتحقيق الربح. ولكن ببساطة ليس من السهل على الجميع الاستفادة من هذه الفرص.

يعتبر التفاني والإخلاص في العمل أحد العوامل الضرورية لتحقيق الأرباح في سوق الفوركس. يخدع البعض المتداولين المبتدئين بالقول أنه بمقدورهم التدرب على حساب تجريبي لبضعة أسابيع أو أشهر ثم القفز مباشرة للتداول الحقيقي، والذي بحسب زعمهم سيضمن لهم كسب أموال تعادل تلك التي يحققها الطبيب أو المهندس بعد سنوات طويلة من الدراسة الشاقة. يجب أن يبقي المتداول عينيه وأذنيه مفتوحة لكل ما يُقال. التداول ببساطة هو أسلوب حياة أكثر من كونه مهنة مستقلة. لا يوجد متداول على وجه الأرض يمكن أن يؤكد أن الصفقة التالية ستحقق أرباح لمجرد أن سجله السابق يتضمن عدد كبير من الصفقات الناجحة. وبالتالي تبقى كثير من الأمور على المحك طالما قررت التداول في سوق العملات بدوام كامل. تلك هي واحدة من الأسباب التي تجعل المتداولين المخضرمين ينصحون نظرائهم المبتدئين بالتداول في البداية< بدوام جزئي.

أوقات الراحة
تغلق أسواق العملات أثناء عطلات نهاية الأسبوع، وهو ما يدفع وسطاء الفوركس إلى تعليق خدماتهم من خلال إيقاف تشغيل خوادم التداول اعتباراً من يوم الجمعة عند الساعة الثامنة مساءاً بتوقيت جرينتش أو حتى قبل هذا الموعد. يوفر ذلك راحة إجبارية لمدة يومين في الأسبوع. من النادر أن تجد وظيفة أخرى تسمح لصاحبها بالبقاء في المنزل خلال عطلات نهاية الأسبوع طوال الشهر. تساعد فترات الراحة الإجبارية المتداول على استعادة نشاطه البدني والذهني. ولا يمكن إنكار أن تداول الفوركس يتفوق في هذا الصدد عن باقي المهن الأخرى. يستطيع المتداول أيضاً التوقف عن العمل لبضعة أيام عند الانشغال ببعض الأمور العائلية دون الحاجة للحصول على إذن من أحد. بالطبع لا توفر جميع الوظائف الأخرى مثل هذه المرونة.

الإجهاد
الصفقة الناجحة ليست أكثر من تخمين بطريقة عقلانية. هناك عدد لا حصر له من العوامل الخارجية التي تحدد مخرجات صفقة التداول. ولهذا سيواجه المتداول، وبغض النظر عن خبرته، في بعض الأحيان ضغوط معينة عند فتح الصفقات. وتتفاقم الخسائر عادةً عندما يقع المتداول المبتدئ فريسة لبعض الضغوط العاطفية، حيث يحاول استعادة خسائره بسرعة من خلال فتح صفقة جديدة (التداول الانتقامي). تنهي الصفقة الثانية هي الأخرى عادةً على خسارة أكبر. لا يصادف الأشخاص الذين يعملون في مهن أخرى مثل هذه المشاكل على نحو متكرر. وحتى إذا واجهوا بعض التعثر فإن معظم الشركات تحتفظ بخطة بديلة أو يتوفر لها أشخاص آخرون قادرون على تصويب المسار متى استدعت الضرورة. يظل جميع متداولي الفوركس عرضة للوقوع تحت تأثير هذه الضغوط النفسية حتى المتمرسين منهم. ولا يمكن للمتداول أن يتجاهل التأثير السيكولوجي للخسائر وهو ما يزيد الضغوط مع كل خسارة جديدة. وبالتالي يمكن القول أن تداول الفوركس ليس هو المهنة المثالية إذا اعتمدنا في تقييمنا فقط على عامل الإجهاد والضغط النفسي.

الاستثمار
في الوقت الحاضر، لا يضع معظم وسطاء الفوركس أي قيود على الحد الأدنى لرأس المال المطلوب لبدء التداول. برغم ذلك، ليس بمقدور أي متداول أن يحلم بكسب ملايين الدولارات عندما يبدأ استثماره بـ 1$ أو 10$ كما يعلن بعض وسطاء الفوركس. تقلل الاستثمارات الصغيرة من فرص تنمية حساب التداول إلى مستويات معقولة تبرر الجهد المبذول. أيضاً لا ننسى أن هناك إغراءات كثيرة لاستخدام مستويات عالية من الرافعة المالية، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى تصفير الحساب. ويمكن القول أن الاستثمار المعقول لبدء التداول وتحقيق أرباح مستدامة في المدى المتوسط يجب ألا يقل عن 10,000$. برغم ذلك، هناك مهن وأنشطة تجارية أخرى يمكن للمرء أن يبدأ فيها ويديرها بنجاح باستثمارات أقل بكثير من هذا المبلغ. باختصار، فإن عدم وجود قيود على الحد الأدنى لرأس المال المطلوب في تداول الفوركس لا يعني من الناحية العملية أن المتداول يستطيع تحقيق أرباح كافية، حيث سيتطلب توليد دخل مستقر توظيف استثمارات بقيمة أعلى بكثير مما تتطلبه المجالات الأخرى. وبالتالي يمكن القول أن المهن والأعمال الأخرى تتفوق بالتأكيد على تداول الفوركس إذا ما أجرينا المقارنة على أساس قيمة الاستثمار المطلوب.

منحنى التعلم
يروج وسطاء الفوركس والمنتديات المتخصصة في تداول العملات لفكرة أنهم يوفرون جميع الأدوات التعليمية لإتقان التداول خلال فترة قصيرة. لا يوجد شك في أن الموارد التعليمية ذات فائدة كبيرة وتعطي الفرصة لاكتساب المعرفة بأفضل طريقة ممكنة. برغم ذلك، لا يمكن إنكار أن إتقان التحليل الفني والأساسي يستغرق وقت طويل حتى يتمكن المتداول من الوصول إلى نتيجة دقيقة تكفل له تحقيق الأرباح عند تطبيقها في التداول الحقيقي. يحدث في كثير من الأحيان أن تعطي المؤشرات إشارات متناقضة حول الاتجاه المتوقع لحركة السعر. يتطلب ذلك أن يمتلك المتداول معرفة دقيقة بحيث تسمح له بالتفرقة بين الإشارات الحقيقية والكاذبة. وبالمثل، قد تصدر بعض التقارير الهامة ولكنها تحمل في نفس الوقت دلالات متناقضة، وبالتالي سيجد الشخص المبتدئ صعوبة في اختيار الاتجاه استناداً إلى التوجهات العامة في السوق. بعبارة أخرى، فإن منحنى التعلم في سوق الفوركس حاد للغاية وبالتالي لا يوجد ما يضمن أن المتداول سيصل إلى نهايته في وقت محدد.

خاتمة
تظهر المناقشة السابقة أن تداول العملات سيكون خياراً صائباً إذا ما اعتمدنا في تقييمه على بعض العوامل مثل توفر أوقات الراحة. برغم ذلك، سنجد عيوب واضحة إذا ما أجرينا التقييم وفق اعتبارات أخرى مثل مستويات الإجهاد، ومنحنى التعلم، ومتطلبات رأس المال لتحقيق دخل مستدام، وفرص الربح المحتملة. لا تضع المهن الأخرى شاغليها تحت ضغوط مستمرة، فضلاً عن أنها تضمن دخل ثابت ونهاية معقولة لمنحنى التعلم. وبناءً على ما سبق، يمكننا القول أن تداول العملات لن يكون مفيداً سوى للأشخاص الذين لا يواجهون أي مشاكل مالية ويتمتعون في نفس الوقت برغبة كبيرة في التعلم وتحصيل المعرفة. أما هؤلاء الذين يركزون أنظارهم على الأرباح فقط فإن البحث عن مهن أخرى ربما يكون هو الخيار الأمثل.