أحدثت الثورة المعرفية حراك ضخم على مستوى العالم وكان أثار هذه الثورة التكنولوجية جلية وواضحة للعيان وأذعنت الشركات والأفراد والمجتمعات، كرها أو طوعا، لها، فالأفراد عليهم مسئولية مواكبة التطورات والتحولات المستمرة والسريعة لتحسين مستوى مهاراتهم وكذلك مواكبة الشركات العالمية لهذه الموجة الكبيرة من التغير للولوج إلى الإقتصاد المعرفي والتحول من الإقتصاد القائم على رأس المال إلى الإقتصاد القائم على المعرفة.
هذا، وقد بدأت البنوك والمؤسسات المالية بالاستفادة من هذه الثورة بتأسيس بنوك إلكترونية للتأثير في المجالات المالية على مستوى العالم، وظلت البنوك تسيطر على كل مجريات الأمور المالية إلى أن جاء عام 2009 حيث تم الإعلان عن ظهور عملة جديدة لم يعهدها الاقتصاد العالمي من قبل وهي عملة “بيتكوين” والتي تعد أول عملة إلكترونية يتم تداولها، ومنذ ذلك اليوم تشهد النقود الإلكترونية أو “بيتكوين” قفزة في عالم الاقتصاد العالمي، ليثور تساؤل حول مستقبل هذه العملة ومدى سيطرتها على الإقتصاد العالمي وهل ستكون بديلا متعارف عليه لعملات الدول المختلفة؟ ونجيب على هذا التساؤل من خلال ثلاثة محاور، حيث يتناول المحور الأول إطار تعريفي عن عملة البيتكوين وألية العمل، كما يتناول المحور الثاني الاعتراف الدولي بعملة البيتكوين، أما المحور الثالث فيتناول سوق “البيتكوين” من حيث الفرص والمخاطر، والمحور الأخير يتناول السناريوهات المحتملة لسوق بيتكوين.
المحور الأول، إطار تعريفي عن عملة البيتكوين؛ هي عملة مشفرة، أي عمله إلكترونية يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت بشكل كامل دون وجود مادي لها، كما أنها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء والبيع عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية، وتعنى كلمة عملة مشفرة cryptocurrency أي أنها تعتمد بشكل أساسي على مبادئ التشفير في جميع جوانبها، كما أنها تعتبر أيضا العملة الأولى من نوعها والأكثر شهرة وانتشارًا لكن رغم ذلك ليست العملة التشفيرية الوحيدة الموجودة على شبكة الإنترنت، فتتوفر حاليا ما لا يقل عن 60 عملة تشفيريه، مختلفة منها ما لا يقل عن 6 عملات يمكن وصفها بالرئيسية، وذلك اعتمادًا على عدد المستخدمين وبنية كل شبكة، إضافة إلى الأماكن التي يمكن استبدال وشراء هذه العملات التشفيرية مقابل عملات أخرى، باستثناء عملة Ripple فإن جميع العملات التشفيرية الحالية مبنية على مبدأ عمل عملة بيتكوين نفسها، فبحكم أن عملة بِتكويِن مفتوحة المصدر فإنه من الممكن استنساخها وإدخال بعض التعديلات عليها ومن ثم إطلاق عملة جديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن نشأة فكرة عملة “بيتكوين”أتت من قبل شخص أطلق على نفسه الاسم الرمزي (ساتوشي ناكاموتو)في ورقة بحثية في عام 2008م، ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند Peer-to-Peer، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط،والهدف من هذه العملة التي طرحت للتداول للمرة الأولى سنة 2009م، هو تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غير بها الإنترنت أساليب النشر، كما أن ألية عمل البيتكوين توصف بأنهاالعملة الافتراضية التي تعمل وفقا لنظام لامركزي، حيث يتم تبادل العملة بين طرفين فقط دون وسيط أو تحمل عمولات نتيجة التبادل، وتقوم بيتكوين على التعاملات المالية وتستخدم التوقيع الإلكتروني والتشفير بين شخصين مباشرة دون وجود هيئة وسيطة تنظم هذه التعاملات، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم تحويل ودون المرور عبر أي مصارف أو أي جهات وسيطة من أي نوع كان[i]، وتتوفر هذه الخدمة في معظم أنحاء العالم ولا تتطلب أشياء معقدة لاستخدامها.
المحور الثاني، الإعتراف الدولي؛ تعتبر ألمانيا من أوائل الدول التي اعترفت رسميا بعملة بيتكوين بأنها نوع من النقود الإلكترونية، وبهذا اعتبرت الحكومة الألمانية أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بـ “بيتكوين”، في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفية من الضرائب، ويوضح الشكل رقم (1) الدول التي ينتشر بها استخدام عملة بيتكوين والدول الرافضة والمعترضة والدول التي لم تستخدم “بيتكوين”.
شكل رقم (1) إنتشار عملة بيتكوين على مستوى العالم
1
ويبين الشكل السابق أن 42 بلداً متساهلة في استخدام عملة بيتكوين، وخمسة دول مثيرة للجدل بشأن تداول العملة، بينما ترفض روسيا وأيسلندا استخدام العملة، أما باقي الدول فلم تحدد موقفها الرسمي بعد من استخدام العملة، وعند الحصول على العملات يتم تخزينها في محفظة إلكترونية، ومن الممكن استخدام هذه العملات في أشياء كثيرة منها شراء الكتب والهدايا أو الأشياء المتاح شرائها عن طريق الأنترنت أو تحويلها لعملات أخرى مثل الدولار أو اليورو، ويمكن شراء “بيتكوينز” من مواقع خاصة منتشرة في جميع أنحاء العالم، أو من السويد التي تنتشر بها العملة بشكل كبير، حيث يتحدد سعر صرف بيتكوين من خلال العرض والطلب على العملة في السوق.
ومؤخرا حكم قاضٍ فدرالي في الولايات المتحدة بأن “بيتكوين” هي عملة ونوع من أنواع النقد، ويمكن أن تخضع للتنظيم الحكومي، لكن الولايات المتحدة لم تعترف بالعملة رسميا بعد، والجدير بالذكر أن مقهى إسبر يسو في مدينة فانكوفر بإقليم “بريتيش كولومبيا” الكندي قد أحتضن أول جهاز صراف آلي (ATM) في العالم لعملة بيتكوين في 30 أكتوبر 2013[i]، وقد سجلت (بيتكوين) بعض النجاحات مؤخراً حيث منحت (محكمة العدل الأوروبية) هذه العملة بعض الشرعية في أكتوبر 2015، وذلك عندما حكمت وأقرت باعتبار (بيتكوين) عملة تقابل السلعة، وبالتالي فهي معفاة من ضرائب القيمة المضافة عندما يبادل الأفراد اليورو مقابل الـ(بيتكوين).
عربيا؛ظهر البيتكوين في الدول العربية في وقت متأخر نسبيا حيث أعلن عن قبول هذه العملة لأول مرة في الأردن في بار شاي في العاصمة عمان، وتلي ذلك مطعم بيتزا وصراف آلي في دبي[ii]، ثم شركة أنظمة معلومات في فلسطين، وسوق السفير في الكويت يقبل البيتكوين في تعاملاته، وهناك عدة شركات في الوطن العربى توفر خدمات البيتكوين مثل شركة Yellow و شركة BitOasis وهما شركتان تم تأسيسهما في الأمارات، و شركة Bitfils والتي تأسست في الكويت، ويمكن شراء وتداول البيتكوين على مستوى الدول العربية عن طريق local bitcoins.
المحور الثالث، سوق “البيتكوين” الفرص والمخاطر؛ هناك عدد من المؤشرات التي يمكن من خلالها تحليل سوق “البيتكوين” وتحديد المخاطر الناجمة عن استخدامها، حيث وصل سعر البيتكوين في 12 يناير 2017 إلى 803 دولار، ووصل حجم إصدار بيتكوين في يناير 2017 إلى 20 مليار بيتكوين، كما بلغ عدد المستخدمين للبيتكوين نحو 11 مليون شخص على مستوى العالم، كما بلغ حجم تبادل البيتكوين مقابل الدولار في نفس التاريخ 76.5 مليون دولار