لعل من أقدم الممارسات الإنسانية وأكثرها عمق في تاريخ البشرية هي الزواج، والذي تم بناء طقوس وعادات وطرق حوله تختلف من عصر لآخر ومن مجتمع لمجتمع ثاني، كان الزواج في البداية يتم وفق إجراءات بسيطة مثل الاكتفاء بين الزوج والزوجة بالقبول والموافقة، إلا أن تطور الإنسان تبعه تطور في إجراءات الزواج، ثم أن الأديان السماوية وضعت أسس وقوانين وشروط، لا يتم الزواج إلا بها، وهي تهدف لحماية جميع الإطراف ولإنشاء أسرة مستقرة متفاهمة. هناك عادات في الزواج لازالت حتى اليوم محتفظة بوهجها رغم التطور والتقدم الحضاري لعل من أهم وأبرز هذه العادات عادة الزواج التقليدي، وكتعريف له وبشكل مختصر هو الذي تذهب الأم أو الأخت للبحث عن زوجة لأبنها أو أخيها وفق مواصفات كان قد حددها زوج المستقبل لشريكة حياته، مواصفات عامة عن الشكل والطول، وهناك نوع آخر للزواج التقليدي كزواج أبن العم بابنة عمة أو أبن الخال بابنة خاله أو الزواج الأسري الذي يتم في نطاق العائلة.
لكننا نعلم أنه بات الشاب يلتقي بالفتاة في مواقع مثل الدراسة أو مجال الوظيفة أو غيرها، ومن هناك يحدث التوافق ثم التفاهم والاتفاق ثم التقدم لأهلها بخطبتها. وأيضا قد يلتقي الشاب بالفتاة بواسطة وسائل الاتصال والإعلام الحديث مثل شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية وغيرها. وهذه العلاقة التي قد ينشأ عنها الزواج تستحق الدراسة من جانب علماء الاجتماع لسبب بسيط أنه بات منتشر وموجود على نطاق واسع.
بين يدي دراسة صادرة من فرنسا، أجراها الخبير الفرنسي الدكتور (سول جوردن )أستاذ علم الاجتماع، توصل خلالها إلى أن علاقات الزواج القائمة على الحب تتعرض للفشل بنسبة قد تصل إلى 85%. وجاء في الدراسة أن الزواج التقليدي هو زواج العقل والتريث والموضوعية، فالطرفان يعملان بجد واجتهاد من أجل انجاح هذه العلاقة ، فهما يتحملان أعباء الزواج منذ بدايته ، وبما إنهما لم يكتشفا بعض ، فهما يحاولان طيلة وقت زواجهما محاولة اكتشافهما لبعضهما البعض ، بينما الاندفاع العاطفي هو الذي يعمي العيوب ويجعل من الحب وسيلة لصنع المعجزات .فالعاشقان يعتقدان أن الزواج رحلة حب لا نهاية له ، وعلى عكسه الزواج التقليدي الذي يعمق الحوار ويجعله متنوعا بين مناقشة الأفكار والمشكلات .
هذه الدراسة ونتائجها ستسعد دون شك أنصار الزواج التقليدي، لكن نتائج أستاذ علم الاجتماع الفرنسي، هل هي دقيقة؟ وأين تمت؟ وهل يمكن تعميمها واعتبارها قاعدة على مجتمعاتنا العربية التقليدية؟ بطبيعة الحال الإجابة لا. لكن ماذا عن الزواج التقليدي، هل هو ناجح؟ مع الأسف قد لا نحتاج لدراسة لمعرفة الإجابة حيث يكفي أن نطالع التقارير الإحصائية لمحاكم عقود الانكحة في نهاية العام لنصدم بالأرقام المهولة والكبيرة لنسبة الطلاق في مجتمعات نعرف جميعا أن طرق الزواج التي تتم فيها تقليدية وفق تعريف وتصنيف الزواج التقليدي.
أنني أؤكد إن على الأساتذة والمتخصصين في علوم النفس والعلوم الاجتماعية العمل على تحليل وتقديم دراسات وبحوث تستهدف مثل هذه المشكلات التي يعانيها الوطن العربي، تتضمن حلول وآراء يمكن أن تستفيد منها مؤسسات المجتمع المدني التي تقدم خدماتها للأسر ورعاية الطفولة والتي تتأثر بتصدع وتفكك الأسرة بسبب الطلاق.